تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


أوروبا.... سلبيات اللاتوازن والازدواجية

شؤون سياسية
الثلاثاء 3-11-2009م
د. محمد البطل

تطرح مواقف أوروبا (دولاً واتحاداً) من التطورات الجارية في منطقتنا تساؤلات حول سياسة الاتحاد تجاهها من جهة، وكيفية تعاطيها مع المؤسسات الدولية المعنية من جهة ثانية.

ورغم التفاوت المعلن في المواقف بين دول الاتحاد الأوروبي فإنها بمجموعها لم ترتق بعد إلى «التوازن» المطلوب في التعاطي مع الإشكاليات الدولية وخاصة منطقة الشرق الأوسط واشكالياتها.‏

فالتباينات الأوروبية - الأوروبية واضحة تماماً تجاه العديد من التطورات التي شهدها ولا يزال جوار أوروبا أبرزها الأزمة الروسية - الجورجية منذ آب عام 2008 كذلك برنامج الشراكة الأوروبية مع عدد من الجمهوريات المجاورة فضلاً عن كيفية التعاطي مع منطقة البلقان، التي أظهرت التباين وصولاً إلى الاختلاف حولها، وتالياً عدم اتخاذ موقف أوروبي موحد تجاهها، وحرية تصويت كل دولة من دول الاتحاد في التعاطي معها.‏

أما في المؤسسات والمجموعات الدولية الأخرى - خارج إطار مجلس الأمن الدولي - التي تتصف قراراتها بأنها ملزمة دولياً، فبرزت في الأونة الأخيرة مسألتا: الملف النووي الإيراني وخاصة لقاء جنيف بين اللجنة السداسية (الدول الخمس دائمة العضوية زائد ألمانيا) وإيران مطلع شهر تشرين الأول الماضي، ثم لقاء فيينا الذي ضم روسيا، أميركا، فرنسا وإيران وما أظهراه من تباينات أوروبية - أوروبية أميركية، تصويت الدول الأوروبية على تقرير غولد ستون في تشرين الأول الماضي، الذي تفاوت ما بين الامتناع عن التصويت (بلجيكا، النرويج، سلوفينيا، البوسنة) أو التصويت ضد التقرير (ايطاليا، هولندا، المجر، سلوفاكيا) إلى التغييب عن جلسة التصويت: (فرنسا، بريطانيا) ورغم نيل التقرير الغالبية الضروروية فإن التصويت الأوروبي لم يسجل حالة ايجابية أوروبية واحدة!! وإن اختلفت التبريرات بين دولة وأخرى.‏

ودون الخوض في تفاصيل تقرير غولدستون (570 صفحة باللغة الانجليزية) فإن عناوينه الثلاثة الرئيسية تتلخص في الموقف من الاستيطان، القدس المحتلة، العدوان على غزة، وتكمن المفارقة في اتخاذ أوروبا موقفاً إيجابياً في التعاطي العالمي مع ضرورات وقف الممارسات الإسرائيلية عند طرحها كلاً على حدة في سياقها الزمني، والتصويت بشكل مغاير عند طرحها في تقرير متكامل «غولدستون» بهدف المحاسبة الدولية عليها.‏

ورغم مغزى التعامل الأوروبي في هاتين المحطتين، فإن الأهم يتلخص في المواقف «التقليدية» الأوروبية تجاه إشكالية الصراع العربي - الإسرائيلي والموقف من الممارسات المنهجية للحكومات الإسرائيلية في الأراضي المحتلة - العربية والفلسطينية، والتي تتلخص في اللوم الفردي أو الجماعي، إلى النقد غير الملزم، مروراً بالامتناع عن التصويت عند طرح مسائل محددة على الهيئات الدولية المعنية.‏

ونشير هنا بشكل خاص إلى الموقف الأوروبي الرسمي اللا متوازن من الإجراءات الإسرائيلية الاستفزازية اليومية العلنية وتداعياتها الخطيرة التي تمثل في جزء منها عمليات منهجية إسرائيلية تهدف إلى تهويد القدس وطرد سكانها الأصليين وتدمير بيوتهم من جهة والاستمرار في عملية بناء الانفاق والحفريات والسيطرة الفعلية على باطن أرض المناطق المقدسة وخاصة المسجد الأقصى الذي تهدد هذه الانفاق والحفريات بقاءه واحتمالات انهياره كذلك إلى استمرار بناء المستوطنات في الأراضي العربية الفلسطينية المحتلة والتي تجري بوتيرة سريعة مقصودة منذ تسلم حكومة نتنياهو وليبرمان مهماتها مطلع هذا العام، بهدف فرض واقع جديد يغلق الطريق تماماً أمام إمكانية استئناف المفاوضات هذا في الوقت الذي تمثل فيه هذه الممارسات التهويدية المبرمجة مخالفة واضحة للقوانين الدولية التي تمنع وفقاً لاتفاقيات جنيف (أي تغيير ديمغرافي في الأراضي المحتلة) ومخالفة صريحة ورسمية لخارطة الطريق الموقعة بين الفريقين المفاوضين الفلسطيني والإسرائيلي (بغض النظر عن رأينا فيها وملاحظاتنا الجوهرية تجاهها) فضلاً عن حصار قطاع غزة المستمر منذ أعوام المخالف للقوانين الدولية، الذي يضرب عرض الحائط أيضاً بالمعاهدات والاتفاقيات الدولية ومن ضمنها الاتفاقيات الثنائية الفلسطينية - الإسرائيلية إذ تتخذ أوروبا (دولاً واتحاداً) تجاهها مواقف لا ترتقي إلى مستوى المسؤولية أو الفعل الدولي لوقفها، وإن ازدادت حدة النقد الأوروبي المعلن تجاهها بعيد مجيء إدارة أوباما وتمتنع عن إجراءات فعلية دولية تلزم حكومة تل أبيب بالانصياع لها (لم تتضمن عشرات القرارات الصادرة على المؤسسات الدولية وفي الصدارة الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي البند السابع الذي يلزم الطرف المعني بتنفيذ هذه القرارات، أو التعرض لعقوبات دولية تدريجية وصولاً إلى الحصار كما جرى ولا يزال مع دول أخرى ومن ضمنها دول عربية وشرق أوسطية).‏

الأمر الذي يطرح حقيقة المواقف والتحركات الأوروبية، وتالياً كيفية تعاطيها مع إشكاليات المنطقة للوصول إلى حلول متوازنة تؤمن الاستقرار والهدوء فيها هذا في الوقت الذي تتسابق فيه الدول الأوروبية وتتخذ إجراءات معينة، للدفاع عن حالات فردية هنا وهناك تحت لافتة حقوق الإنسان والديمقراطية ويستثنى من هذا التسابق الأوروبي الحريص على الديمقراطية وحقوق الإنسان مصير شعوب تحت الاحتلال ومناطق محتلة والقتل والتدمير وصولاً إلى منع سكان هذه المناطق من استثمار أراضيهم والتضييق على حرية حركتهم.‏

ويعبر هذا التسابق الأوروبي في التعاطي مع مسائل فردية محددة، على أهميتها إنسانياً بشكل عام، إلى تجاهلها عملياً، أو إعلان اللوم والنقد اللفظي غير المجدي منذ عقود في التعاطي مع جماعات وشعوب عن إزدواجية لم يعد ممكناً إقناع أحد بها، بدءاً من شعوب أوروبا إلى الرأي العام العالمي وخاصة المعنيين بالألم والحصار والتجويع والتشريد الذي تمارسه تل أبيب (أعلنت نتائج استطلاعات الرأي العام الأوروبي موقفاً واضحاً من إسرائيل بوصفها كياناً معرقلاً للسلام والاستقرار في المنطقة).‏

وهذا ما يفترض بأوروبا مراجعته أولاً، ووقف السياسة المزدوجة التي باتت محرجة لأوروبا قبل غيرها أو التذرع «الممجوج» بضرورة إجماع دول الاتحاد الـ 27 في قضايا محددة، لا يعتمد في قضايا أخرى تمس أوروبا ومصالحها مباشرة.‏

 باحث في الشؤون الدولية‏

batal-m@scs-net.org

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية