تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


النووي الإسرائيلي.. وازدواجية المعايير

شؤون سياسية
الأربعاء 4-11-2009م
د. صياح عزام

منطقتنا العربية هي من أكثر المناطق التي تشكو من الكيل بمكيالين، فالدول الغربية عامة والولايات المتحدة خاصة تتغاضى عن اعتداءات وانتهاكات إسرائيل وتطالب العرب بتقديم تنازلات واتخاذ خطوات لتطبيع العلاقات معها دون أن تعيد إسرائيل للعرب شيئاً من حقوقهم المشروعة.

القضية المثارة في هذا الوقت هي قضية الأسلحة النووية في منطقة الشرق الأوسط، ففي الوقت الذي تشدد فيه الدول الغربية على ضرورة أن تعلن إيران عن برنامجها النووي وتشن ضدها الحملات السياسية والإعلامية وتعقد معها الاجتماعات وتحاول استقطاب بعض الدول العربية لأي عمل عسكري محتمل ضد إيران من قبل إسرائيل أو الولايات المتحدة على أساس أن برنامجها النووي يشكل خطراً على العالم بما في ذلك الدول العربية نرى أنه لا يرد إطلاقاً اسم إسرائيل أو برنامجها النووي العسكري على لسان الغربيين حتى عندما قام الرئيس أوباما بإطلاق دعوته الأخيرة في مجلس الأمن للدول التي لم تنضم بعد إلى اتفاقية منع انتشار الأسلحة النووية إلى الانضمام إليها، علماً أن إسرائيل -كما يعرف الجميع- تمتلك منذ عقود أسلحة نووية عديدة.‏

لقد فضحت مؤخراً هذا المثال الواضح على سياسة الكيل بمكيالين صحيفة «الواشنطن تايمز» لسان اليمين الأمريكي المتطرف والمؤيدة دائماً لإسرائيل عندما نشرت مقالاً انفردت به دون غيرها على أساس أنه فتح صحفي لها، المقال كان تحت عنوان «أوباما» يوافق على «إبقاء أسلحة إسرائيل النووية سراً».‏

ويشير المقال إلى أن ثلاث شخصيات مرموقة أقرت أن الرئيس «أوباما» أعاد من جديد تأكيد سر عمره أكثر من أربعة عقود وهو تفاهم أميركي-إسرائيلي يقضي بالسماح لإسرائيل بالاحتفاظ بأسلحتها النووية وعدم إخضاعها للتفتيش الدولي.‏

جدير بالذكر أن هذا التفاهم السري المقصود أنجزه هنري كيسنجر وزير خارجية الولايات المتحدة الأسبق ومستشار الامن القومي للبيت الأبيض في عهد الرئيس الأمريكي نيكسون الذي وافق مكرهاً وعلى ضوء فضيحة ووترغيت المشهورة على إعطاء وعد لـ غولدمائير بألا تثير أمريكا مسألة أسلحة إسرائيل النووية وأنها ستتغاضى عن ذلك مقابل ألا تذكر إسرائيل شيئاً عن ذلك أيضاً.‏

وبناءً على ذلك تدافع واشنطن دائماً في المحافل الدولية عن إسرائيل في هذا المجال وتعارض الدعوة لجعل الشرق الأوسط خالياً من الأسلحة النووية والدعوات لأن تنضم إسرائيل إلى معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية.‏

وتقول صحيفة «الواشنطن تايمز» في مقالها الذي أشرنا إليه قبل قليل: إن إسرائيل كانت قلقة من احتمال قيام أوباما بعدم احترام التفاهم الأمريكي الإسرائيلي لعام 1969 بسبب تأييده الشديد لمنع انتشار الأسلحة النووية وهو أمر جعله في صلب حملته الانتخابية في معركة الرئاسة الأمريكية والأولوية التي يضعها بالنسبة لبرنامج إيران النووي ولكن رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو أقر منذ أيام أن هذا التفاهم لا يزال قائماً ومستمراً عندما سألته القناة الثانية للتلفزيون الإسرائيلي عن ذلك وأضاف نتنياهو قائلاً:‏

«لقد كان واضحاً من الخطاب الذي ألقاه الرئيس أوباما في الجمعية العامة للأمم المتحدة ودعوته إلى جعل العالم خالياً من الأسلحة النووية أن المعني بذلك «كوريا الشمالية» و «إيران» وأنه خلال اجتماعه الأول معه في واشنطن تلقى وعداً من أوباما باستمرار مجموعة من التفاهمات الاستراتيجية بين الولايات المتحدة وإسرائيل ومنها هذا التفاهم».‏

لقد عمل كيسينجر على إتلاف أي أوراق أو مستندات تثبت التفاهم الأمريكي الإسرائيلي خشية أن يطلب أي مواطن أمريكي بالافراج عن هذه الوثائق تطبيقاً لقانون يسمح لأي شخص برفع السرية عنها وتقول وثيقة سرية عثر عليها في مكتبة الرئيس نيكسون وهي عبارة عن مذكرة قدمها كيسينجر آنذاك: «في حين أنه قد يكون أمراً مثالياً امتلاك إسرائيل الفعلي للأسلحة النووية ولكن ما نريده بالفعل على الأقل هو أن نعمل على عدم جعل عملية الامتلاك الإسرائيلي تتحول إلى أمر دولي».‏

إذاً إن خشية إسرائيل تنبع من احتمال محاولات إيران في مفاوضاتها الجارية مع الولايات المتحدة والدول الغربية إجبار الأخيرة على الاعتراف بملكية إسرائيل للأسلحة النووية وذلك في اطار سعيها لإثبات نفاق الغرب في هذا الموضوع.‏

على أي حال سيعقد مؤتمر مراجعة اتفاقية منع انتشار الأسلحة النووية قريباً وسيراقب العالم كيف أن واشنطن ستحاول منع الدول العربية أو غيرها من إثارة قرار المؤتمر السابق حول جعل الشرق الأوسط منطقة خالية من السلاح النووي تحت ذريعة أن إسرائيل تريد الشعور بالاطمئنان عن طريق امتلاكها مثل هذا السلاح، وأن هذا الأمر قد يشجعها حسب الزعم الأمريكي- على معاودة التفاوض مع الفلسطينيين، علماً أن مثل هذه المزاعم هي مجرد هراء ووهم وكلام مستهلك لا أحد يثق به. باختصار إنها سياسة الكيل بمكيالين أو ازدواجية المعايير من جانب الولايات المتحدة وبعض الدول الغربية.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية