تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


الصين.. دروس وعبــر للعــرب

جون أفريك
ترجمة
الأربعاء 4-11-2009م
ترجمة: دلال ابراهيم

لابد وأن كل من يتصفح صفحات الويب، أو يشاهد التلفزيون أو يقرأ الصحف قد أصابته الدهشة من أبهة وعظمة الاحتفالات التي كرستها هذا العام الحكومة الصينية بمناسبة مرور ستين عاماً على تأسيس جمهورية الصين الشعبية، والتي تصادفت مع مطلع الشهر المنصرم.

ونادراً في تاريخنا الحديث ماشهدنا مثل هذه الاحتفالات الضخمة بمناسبة ميلاد دولة، وكان الزعيم الصيني ماوزيدونغ، وفي أعقاب انتصاره على خصومه القوميين أطلق جملة تردد صداها في كل أرجاء العالم، تعلن انتصار الصين (الصين استيقظت) والآن، وبعد مرور ستين عاماً على تولي السلطة الشيوعية الحكم في الصين يمكن للزعماء الصينيين أن يعلنوا وبكل فخر أن (الصين يمكنها أن تمشي ورأسها مرفوع) وهنا نسأل: ما الدرس الذي يمكن للعرب أن يستفيدوه من (المعجزة الصينية)؟ ربما تجلى النجاح العجيب الذي حققته الصين في قدرتها على الحد من عدد سكانها وإيقافه عند الرقم 1.3 مليار نسمة، من خلال فرضها سياسة الطفل الوحيد الصارمة، ووحدها الدولة القادرة والقوية على فرض الالتزام بهكذا نظام متشدد على مواطنيها يمكنها تطبيق هكذا سياسة.‏

وفي هذا المجال فإن التباين مع الازدياد السكاني الذي تشهده الدول العربية صارخ. مثلاً في عام 1952 وعندما قامت في مصر ثورة الضباط الأحرار بزعامة الرئيس جمال عبد الناصر كان تعداد سكان مصر يبلغ حينها 18 مليون نسمة، أما الآن، فإن تعدادهم يبلغ 80 مليوناً، ويكفي القيام بزيارة إلى القاهرة ليقف المرء على حجم الضغط الديمغرافي، ونتيجة هذه الزيادة الكبيرة ، تضطر مصر الآن إلى استيراد 50٪ من حاجتها للحبوب، وليست مصر هي الدولة العربية الوحيدة التي تواجه مشكلة الزيادة السكانية، بل هناك أيضاً الجزائر، سورية، اليمن، ومعظم الدول العربية على حد سواء في تلك المسألة.‏

وتتهم الدول الغربية الصين بأنها تتمتع بالديمقراطية، إذ يحكمها حزب واحد وبيد من حديد، والرئيس هاوجينتاو يجمع بين يديه السلطة التنفيذية وأمانة الحزب الشيوعي وقيادة الجيش، ولكن الصين الشيوعية بأي معنى كان تعانقت مع الرأسمالية، مع نهاية أعوام السبعينيات، حيث سمحت لرعاياها بحرية العمل والسفر والتملك والقيام بمشاريع وأعمال، والاتجار، وصنع ثروة بأي وسائل كانت وكذلك الإنفاق كيفما يحلو لهم، ولأول مرة أصبحت الصين هذا العام السوق العالمي الأكبر للسيارات، متقدمة على اليابان. وغالباً ما تتهم الصين الحديثة بأنها تفتقر إلى الفكر الإيديولوجي، وفي الواقع إن الصين تمتلك ايديولوجيا القومية.‏

ما أوجه الشبه بين العالم العربي، والجمهورية الشعبية الصينية؟ معظم الدول العربية تشبه الصين من حيث سيطرة حزب واحد على السلطة فيها، ولكن هل تتمتع الطاقات الكامنة لدى شعوبها بالحرية الكافية؟‏

في أغلب الأحيان يتم خنق وكم هذه الطاقات وبموجب أنظمة محدودة وضيقة الأفق، وبجهاز بيروقراطي غير كفوء وفاسد، أو بموجب نظام رأسمالي محسوبي، أي لاتستفيد منه سوى الحلقات القريبة من مركز السلطة، بينما السكان يتخبطون بحثاً عن وسائل بقائهم، وأعظم ماحققته الصين الحديثة هو بلا منازع تمكنها وخلال جيل واحد من إنقاذ 400 مليون شخص من براثن الجوع.‏

وهنا يكمن الدليل على صدق وقوة الحزب الشيوعي إزاء شعبه، ومصدر شرعيته الأساسي.‏

وفي عام 1976، وفي أعقاب وفاة الزعيم ماوزيدونغ أعتق خلفه دينغ زيابينغ الإمكانيات الهائلة للبلاد من خلال التخفيف من سيطرة الدولة على الاقتصاد، أكد زانغ دي وي والذي كان يعمل مترجماً لدى دينغ في منتصف الثمانينات أن أساس نجاح الصين في أنها وضعت في سلم أولوياتها اجتثاث الفقر، وهذا مايهم الصين بشكل أساسي- يتابع زانغ- في قضايا حقوق الإنسان وتتقدم عندها على الحقوق المدنية والحقوق السياسية.‏

وفي العالم العربي لاتولي السلطات هناك أي أهمية لحقوق شعوبها المدنية والسياسية، إلى جانب عدم سعيهم، وللأسف، إلى اجتثاث الفقر من صفوف هذا الشعب.‏

وإن كان الغرب يتهم زعماء الصين بالديكتاتورية إلا أن الحزب الصيني اعتمد على قيادة كفوءة وثابتة وفاعلة، واستطاعت بفضل اجراءاتها الفاعلة تجاوز الأزمة الاقتصادية والمالية العالمية في وقت مازال العالم يتخبط وسطها، وقد سجلت الصين هذا العام نسبة نمو بلغت 8٪ وكانت تبلغ هذه النسبة خلال العامين المنصرمين 10٪ وتتكلم الأرقام عن نفسها، حيث تمتلك البلاد أكبر احتياطي عملات في العالم، والبالغ 2100 مليار دولار.‏

شركاتها الكبرى تجوب العالم، فنزويلا، روسيا، كازاخستان، إيران، العراق، أنغولا، نيجيريا، بحثاً عن المواد الأولية ومصادر الطاقة.‏

وبفضل إيلاء السلطات الصينية أهمية قصوى لقطاع التعليم العالي والعمل على تطويره وربطه بالتطور التكنولوجي للمعلوماتية تبحث الصين الآن في مسائل مصادر الطاقة المتجددة، مثل الطاقة الشمسية، بالإضافة إلى أنها المنتج العالمي الأول في مجال الألواح الشمسية.‏

ومن المتوقع أن تتجاوز الصين في العام المقبل اليابان لتصبح القوة الاقتصادية العالمية في الترتيب الثاني بعد الولايات المتحدة، وكذلك على وشك أن تعزل اليابان عن عرش صناعة السيارات لتصبح المنتج الأول في العالم للسيارات، وتزمع شركة BYD رائدة صناعة السيارات الكهربائية في العالم تسويق سيارات 100٪ كهربائية إلى الولايات المتحدة العام المقبل، وعلى المستوى الاقتصادي يتوقع أن تتجاوز الصين الولايات المتحدة خلال العشرة أعوام المقبلة، وقد كان من تأثير الأزمة الاقتصادية الحالية انتقال الثقل والقوة الاقتصادية التي كانت سمة للدول الغربية لتستقر في شرق آسيا وثمة تبدل يرتسم على الخاطرة الجيوبوليتيكية العالمية.‏

ولاريب أن الأمور لاتستقيم في أي دولة، ولاسيما في دولة واسعة مترامية الأطراف مثل الصين، وإذا ما نظرنا إلى الشأن الاقتصادي فإنه غير معروف إن كان نموها مستداماً أم ما إن كانت صادراتها ستنضب هذا بالإضافة إلى فقدان الملايين من العمال الصينيين وظائفهم وعودتهم إلى قراهم والجهاز الحكومي للحزب الشيوعي الصيني قد تخلله بعض الفساد وقضايا استغلال النفوذ.‏

وشهد إقليم زيانغشيان الواقع في الغرب الصيني مؤخراً أحداثاً كسرت المشهد الثقافي المعروف بتناغمه الذي تبحث الصين على نشرة حصلت خلالها مواجهات بين اثنية الايغور التركمانية التي تعتقد باستبعادها عن ثروات أراضيها التي استغلتها اثنية الهانس الأكثرية في الصين، والمهاجرة حديثاً إلى الإقليم.‏

بعيداً عن هذه النقاط السوداء في المشهد الصيني ثمة أشياء كثيرة يمكن للعرب أن يستخلصوها من تجربتها، ولاسيما فيما يتعلق بالأولوية الممنوحة لاجتثاث الفقر، رغم أن هذا الوجه ليس الوحيد الذي يحفزنا للإعجاب بالمعجزة الصينية، بل هناك النظام والانضباط والتربية والعمل/الوحدة/ والفخر بحضارة موغلة في القدم بالإضافة إلى التوجه الحثيث نحو التكنولوجيا الحديثة، والقيادة الحكيمة، والاعتزاز بالقومية. تلك فضائل يمكن للعرب أن يتبنوها.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية