تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


أوباما.. الانطلاقة الخاطئة في الشرق الأوسط

لوموند
ترجمة
الأربعاء 4-11-2009م
ترجمة: مها محمد

سنوات كأنها مرت على خطاب باراك أوباما في القاهرة.

خطاب اليد الممدودة للعالم الإسلامي، الخطاب الذي أجاد فيه الرئيس الأمريكي تماماً في الحديث عن آلام الفلسطينيين وفرقتهم.‏

اليوم وبعد مضي خمسة أشهر تقريباً على الخطاب لم تثمر جهوده ولا أمنياته أي نتيجة ، ولا غرابة في ذلك قياساً بالعديد من المشاريع والاتفاقيات الفاشلة بشأن عملية السلام، ناهيك عن التصدع والخلاف الذي شق صفوف الفلسطينيين.‏

قد تكون النصائح قدمت بطريقة خاطئة إلى أوباما من فريقه المحيط به في تناوله قضية استئناف المفاوضات وفرضه على الاسرائيليين أن يقبلوا بالتجميد الكامل للمستوطنات اليهودية في الضفة الغربية والقدس الشرقية، وكان ذلك شرطاً لازماً لمثل هذه الرعاية من محمود عباس من أجل استئناف المحادثات مع الحكومة الاسرائيلية إلا أن هذه الاستراتيجية غفلت حقيقة أمرين:‏

أولهما: بالرغم من أن عدداً من الاسرائيليين ليس مع الاستيطان العشوائي في الأراضي الفلسطينية غير أن موضوع الاستيطان هو الأساس التاريخي لشرعنة اسرائيل حسب العقلية الاسرائيلية المشبعة بهذه الفكرة ، والحكومة الاسرائيلية وعلى رأسها بنيامين نتنياهو جميعهم من أنصار سياسة استمرار الاستيطان.‏

الأمر الثاني: إن نتنياهو لن يرتكب الحماقة مرة أخرى بفقدان دعم أغلبية الأحزاب كما فعل عام 1999 ودفع الثمن بأن خسر السلطة في ذلك الوقت، لهذا بقي متمسكاً بموقفه في واشنطن وأعلن أن عملية تجميد الاستيطان أمر صعب المنال وأنه على الجميع أن يستوعب الفكرة، أما محمود عباس فقد كلفه ذلك كثيراً ولم يكن الوحيد الذي خضع للضغط الأمريكي للقبول بزيارة نيويورك ومصافحة نتنياهو، ولم تسفر الصورة التي تمناها الرئيس أوباما عن أي تقارب في المواقف، ثم جاء تقرير القاضي ريتشارد غولدستون الذي أدان جرائم الحرب التي ارتكبتها اسرائيل في غزة وكان الأمريكيون قد حصلوا على موافقة محمود عباس بأن يسحب دعمه لهذا التقرير، ما أدى إلى غضب الشعب الفلسطيني بجميع فصائله.‏

ما حمله على التوجه من جديد إلى مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة وتبني تقرير غولدستون من جديد.‏

هذه الأحداث تركت آثارها دون شك وأيقنت السلطة الفلسطينية أن آمال الفلسطينيين بإدارة أوباما قد تبخرت، ولم تكن شعبية نتنياهو يوماً في اسرائيل قوية كما هي الآن ،ففي قضيتي تجميد الاستيطان وتقرير غولدستون استطاع نتنياهو استخدام خطة بارعة في الابتزاز وبإلحاحه على هاتين المسألتين فهو يحاول وأد عملية السلام في مهدها.‏

وطبعآً خلال هذه الفترة لم تتوقف البلدوزرات عن عملها في مشاريع الاستيطان في الضفة الغربية والقدس الشرقية ، وكان خطأ الإدارة الأمريكية الجديدة هو الظن بأن دعم القدس أمر سهل، وقد تبجح بعض المقربين من نتنياهو أنهم أجبروا إدارة أوباما بعد قمة نيويورك على الانصياع لرغباتهم ، لكن هذا التفكير أحمق وأقرب إلى الخطأ لأن معادلة القوة لايمكن أن تكون دائماً لمصلحة اسرائيل، فإلى جانب المساعدات الأمريكية للدولة العبرية التي تتجاوز 3 مليارات دولار سنوياً، واشنطن لديها نظرياً وسائل ضغط على اسرائيل وخاصة على الصعيد الاستراتيجي ، والواقع أن قوة اللوبي الاسرائيلي حالياً في الولايات المتحدة ليست في وضع تريد فيه الضغط في الكونغرس كوسيلة وحيدة للحصول على تنازلات اسرائيلية، ما يعيد عملية السلام إلى النقطة التي وجدها عليها أوباما في 20 كانون الثاني عام 2009 ويعلم الأمريكيون جيداً أنهم لا يريدون تحقيق السلام أكثر من أصحابه .‏

وطبعاًً حرب غزة كانت فشلاً كبيراً بالنسبة لإسرائيل التي تراهن الآن على التلازم المتنامي بين الاقتصادين الغزاوي والمصري لإشباع حلمها في أن ترى مصر تبتلع أرض حماس ، كما يأمل حكام اسرائيل أن يعمل الصديق ما بوسعه لإسقاط تقرير غولدستون في البئر الذي لاقاع له.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية