|
مهرجان دمشق السينمائي وهي علاقات تختصر تركيبة المجتمع..لكن السكون والرتابة تسيطران على الأرواح وتؤثران على حركة الكاميرا الهادئة والساكنة في معظم الاوقات..الأمر الذي ينقل الإحساس بالموت المتغلغل لا في الأشخاص وحسب وإنما في المكان الخالي من أي علامة فرح أو حب حيث يتردد صاحب المطعم سليماني على الأطباء النفسانيين لكن لا جدوى..الموت محدق. يأتي شاب يحمل أوكورديون ويطلب العمل في المطعم كعازف في الأفراح فيطرده صاحب المطعم، لكنه ينجح بإقامة علاقة مع العمال البائسين في المطعم..نكتشف أنه ابن صاحب المطعم لكن والده لا يعرفه ولا يجرؤ أحد على إخبار سليماني بالأمر..النتيجة استمرار الكآبة..وعندما تحاول إحدى العاملات مساعدة سليماني تقول له ما تحتاجه هو امرأة وعائلة ،يقتنع لكنه عندما يطلب من إحدى العاملات الزواج ترفض حيث تكشف هذه الخطوة أن أحد العمال يريدها وهو صديق لزوجها المرحوم وقريب من عمرها فتختاره..ومع ذلك يوافق صاحب المطعم على الاحتفال بالزواج في المطعم حيث يدخل الفرح للمرة الأولى إلى هذا المكان بعد ان غير رأيه صاحبه برفض البيع..ولأن سليماني لم يعد في روحه أي مساحة للفرح بعد أن استنزفته الأحزان سواء على الصعيد الشخصي إذ يعاني من وحدة قاتلة أوعلى الصعيد المهني من خلال زبائن المآتم نراه يصعد إلى غرفته وحيدا إلا أن قرار الابن بإخبار والده حقيقته يأتي متأخرا حيث يموت الأب بصمت شبيه بحياته..
الفيلم يقوم على الميلودراما لكن الكاميرا.. العين الراصدة تكشف الكثير مما لا يريد الفيلم قوله علنية..إذ العزلة والصمت المسيطر يقود إلى ضياع فرص الحياة والتأخر عن الإنقاذ ..ببساطة يقود إلى الموت مثلما حصل مع سليماني وابنه.. الجيل الجديد وارث المطعم والحياة والمستقبل.. الفيلم مشغول بأناة وهدوء حيث ترك المخرج للسكون والحزن والصمت التغلغل داخل النسيج الكلي والجزئي للفيلم من حركة كاميرا واداء ساكن يكاد يكون بلا ملامح للممثلين..دعم ذلك المونتاج الهادئ الذي لا يشعر العين بأنها انتقلت من كادر إلى آخر حتى لا يكسر الرتابة والسكون..وكذلك النظام اللوني للصورة حيث سيطرت الألوان الغامقة عديمة التدرجات..وقد ساهمت في ذلك الإضاءة الخفيفة التي لا تكشف أو توضح الصورة بقدر ما تزيد الإحساس بالحزن والسكون والصمت.. فيلم «عشرون»للمخرج علي رضا كاهاني سبق له ونال جائزة لجنة التحكيم الخاصة في مهرجان كارلو في فاري التشيكي قبل أشهر..هو فيلم حقيقي بمعنى انه يمثل مجتمعه ويمثل السينما الإيرانية في صعودها اللافت في العالم رغم محدودية التكلفة الإنتاجية، فقد استطاعت السينما الإيرانية بتكاليف بسيطة انتزاع ليس أهم الجوائز العالمية إنما انتزاع إعجاب المشاهدين في العالم حيث المعالجة العميقة لمشاكل المجتمع وسينمائية الطرح القائم على فهم حساس للصورة السينمائية وآلية تأثيرها على المشاهد..والزاوية المميزة والخاصة في النظر إلى المجتمع والحياة والناس..كل ذلك جعل من السينما الإيرانية محطة رئيسية في المهرجانات العالمية ينتظرها الجمهور لا ليعرف خصوصية هذا المجتمع إنما ليمتع عينه بالسينما ولينعش روحه بالرؤيا الجديدة للفن السابع بعد أن كاد يُختزل هذا الفن بالسينما الأمريكية...ومع فيلم (عشرون) المشارك في المسابقة الرسمية لمهرجان دمشق السينمائي السابع عشر نحن أمام فيلم مميز في رؤيته للواقع..مميز في معالجته السينمائية..ومميز في تكلفته الانتاجية البسيطة..ربما تكون هذه هي الخلطة السرية لسينما أدهشت ولا تزال.. عشرون ..فيلم عن السكون والحزن كمقدمتين لموت مؤكد..هو صرخة في وجه الصمت لكنه صرخة من أجل الحياة. |
|