تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


كلمة أولى انفلونزا الضمائر!!

ملحق ثقافي
الثلاثاء31/1/2006
حسين عبد الكريم

«نديم محمد» عاش نصفَ عمره، ببعض رئة، وظلَّ يُنشدُ الشعر، كأعذب مايكون. استعاض عن ضعف الرئه، بقبس من الشعر، وعاش به، طوال السنين. وهو ابن الثمانين أنشد إحدى المليحات، القريبات من حارة الوجد:

أجميلتي هذا فمي، ويكادُ يُحرق نُطقَه حَرُّ الزفير فاسقيه من فمكِ اللهيبَ، فليس أطفأُ للسعيرِ من السعيرَ عيناي عند الباب ناطرتان في ذلِّ الفقير فمتى يلوحُ جبينك الزهوانُ يسبقُ لمحَه نفحُ العبير الاحتكام إلى الشغف والرقِّة، خلّص الشاعر الكبير من قسوة الآلام. والعديدون عاشوا كالنديم الكبير، ببعض رئات، وأمعاء وأكباد، واستمروا في محاولات العيش النبيل، والتنفس! أما الذين يعيشون بالقليل من الضمير، أو من غير الضمير، فهم التالفون في خرابهم.. يُبّدلون الهواء بالزّيف، فيتلوّثُ الأفق بالرياء.. رئاتهم تعمل على دخان أكاذبيهم، وأحلامهم المحترقه، فيصابون بالذبحات الوجدانيه، ويؤذون سواهم بآلاف الذبحات.. هؤلاء يُوزِّعون الاختناقات مجاناً، وبأسعار عاليه، على الرئات الأخرى، المنسجمه مع النقاء وهواء المودّات . صرنا نخاف أن تصيرَ نهداتنُا غصّاتٍ، جراءَ التلوّث، الذي سبّبه الأحياء بضميرٍ تالف، وبصيرة معميَّةٍ بـ «هُباب» أمانٍ ناقصةِ الإنسانيه، و«أوكسجين الرضى». لانبحث عن أكثر من الشعر والقناعات وبعض الشجاعة اللائقة، لنحمي بها الشعر و القناعات. ونسأل، حين نسأل عن أفق أضيق من ابتسامه، ومتمكِّن من غيماته، ونسيمه، كعفويِّة نبع، على مدخل ذاكرة قرية، أو نسيان. أوجعت صحونا الرداءَة، لكن ما الحيلة،ونحن لانجيد إلا صحونا والحنين والتبعثر في جهات الكتب والحبر وأوجاعنا!!؟ الطيبون غير الساذجين، قد يتأثرون، مرغمين، بالذبحات الإنسانيه. وقد تصل إلى جلودهم، و اهتماماتهم ورؤاهم نيران الضمائر المحترقه، واختناقات الآمال،الحيّه بالهواء الفاسد، واحتمالات الخراب. هل يكون الشعرُ سياجاً أخيراً، يصدُّ عن بساتين الأماني اليافعة، أو الطفلة، آفاتِ الأحياء من غير ضمائر وصدق، ووجدان؟ هل بمقدور الأحزان والقراءات والمسرّات الخارجه من العنايه المشدّده، أن تُحيي مهرجاناً يومياً أو أسبوعياً أو شهريّاً أو فصلياً مخصصاً للرئات النظيفة قليلاً أو قليلاً جداً، والضمائر غير «التالفه» تلفاً شديداً، بسبب الصدأ والاهمال التام، وسوء التهويه؟! بالشعر والضمير وجمهرة القناعات ننجو من ذبحات الأحلام المتفشيِّه، والعصريه أكثر من أيِّ جنون أو« انفلونزا»! «الطاعون» الأقسى المترِّبص بالبشر، والذي لم تُشر إليه الأبحاث الطبيه،هو« انفلونزا» الضمائر، بكل معالمها الوبائيه!‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية