تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


هكذا قدّم الشاعر الروسي سيرغي يسينين نفسه إلى قـرائه: تمثّلت ثورة اكتوبر بطريقتي الخاصة ذات الميول الفلاحية

ملحق ثقافي
الثلاثاء31/1/2006
ترجمة وتقديم أحمد ناصر

ولدت عام 1895 في الحادي والعشرين من أيلول في قرية قسطنطينوف ـ التابعة لناحية كوزمينسكايا ـ قضاء رازيان ـ محافظة رازيان.

في السنة الثانية من عمري تولى جدي من جهة أمي أمر تربيتي. كان جدي ميسور الحال، له ثلاثة أبناء عازبين، أمضيت طفولتي بينهم. كان أخوالي هؤلاء مشاكسين، متهورين : في الثالثة والنصف من عمري أجلسوني على متن جواد بلا سرج و أطلقوا له العنان. أتذكر كيف شُدهت و كيف تمسكت بقوة بناصية الحصان. بعدئذ علموني السباحة. أخذني أحد أخوالي، وكان يدعى ساشا، اصطحبني معه في الزورق، وبعد أن ابتعد عن الشاطىء، نزع عني ثيابي، وكالجرو، رماني في الماء. خبّطت بيدي في الماء بخوف وبشكل أخرق، وقبل أن أشرق بالماء راح يصرخ ويصرخ :»أيها العاهر لأي شيء تنفع ؟!» كانت كلمة «عاهر» تحببا لديه ! وفي مرحلة لاحقة، في حوالي الثامنة من عمري، غدوت للخال الثالث بديلا لكلب الصيد. صرت أسبح عبر البحيرات ملاحقا البطات المصيدة، القتيلة أو الجريحة. وأيضا غدوت متسلقا بارعا للأشجار، وبين الصبيان قائداً ومشاكساً من الدرجة الأولى، تلازمني الخدوش باستمرار. جدتي وحدها كانت تؤنبني لشقاوتي، في حين كان جدي يتحرش بي بقبضته ويكرر على مسامع جدتي : بلهاء أنت لدي، لا تلمسيه، هكذا سيغدو أشد متانة ! كانت جدتي تحبني بكل قواها، لم يكن لعطفها من حدود. كانوا أيام السبت يحممونني ويقلمون أظافري ويموجون شعري بزيت الكاز، إذ كان المشط بمختلف أنواعه عاجزا عن اختراق شعري المتموج.وحتى الزيت لم يكن يؤدي كبير دور. كنت أصرخ باستمرار سابا وشاتما، وحتى تاريخه لا أشعر بارتياح تجاه أيام السبت. هكذا جرت طفولتي. وبعد أن أصبحت يافعا أرادوا أن يجعلوا مني معلما ريفيا فأدخلوني في مدرسة الكنيسة، وكان علي، بعد أن أجتازها، الانتساب إلى معهد المعلمين في موسكو. لكن، ولحسن الحظ، هذا ما لم يحصل. بدأت أكتب الشعر باكرا، في حوالي التاسعة من عمري. لكن الإبداع الواعي يعود للسادسة والسابعة عشرة من عمري. وبعض هذه الأشعار مدرجة في «رادونيتسا». وفي سن الثامنة عشرة كنت أستغرب من المجلات كيف يمكنها ألا تنشر أشعاري التي أرسلها، فقصدت بطرسبورغ. وهناك استقبلوني بحفاوة. أول من قابلت «بلوك» و الثاني «غورودتسكي». حين نظرت إلى بلوك تصببت عرقا فأنا للمرة الأولى أرى شاعرا «حيا «. ثم جمعني غوردوتسكي مع «كليوفي «، لم أكن قد سمعت عنه كلمة واحدة، وسرعان ما ربطتني معه صداقة متينة. في تلك الأعوام انتسبت إلى جامعة «شانيافسكي»، داومت فيها عاما و نصف العام ثم رجعت إلى القرية. في الجامعة تعرفت على الشعراء «سيمينوفسكي، ناسيدكين، كولوكولفي، فيليبتشنكو». أُعجبت أكثر ما أعجبت من الشعراء المعاصرين بالشعراء «بلوك، بيلي، كليوف «. أعطاني الشاعر بيلي الكثير في مجال الصيغة الشكلية، في حين علمني «بلوك «و «كليوف «الكثير من «الغنائية». عام 1919 نشرت مع رفاقي بيان «إماجينيزم» ـ وهي حركة أدبية ظهرت في روسيا بين أعوام(1919 ـ 1927 ) تنطلق هذه الحركة من مبدأ أساسي : مهمة الإبداع الفني خلق صور لفظية، كل صورة منها تشكل بذاتها معنى مستقلا و لا تتطلب بمجموعها وحدة المعنى أو العروض أو القافية ـ المترجم. كانت «الإماجينيزم «مدرسة شكلية، أردنا توطيد دعائمها، لكنها لم تكن تمتلك التربة الصالحة وماتت من تلقاء نفسها مؤكدة صوابية الصورة العضوية. كان يمكنني التبرؤ من أشعاري وقصائدي الدينية الكثيرة لو لم تكن تشكل معلما أساسيا في طريقي كشاعر للثورة. كانت جدتي تصطحبني من دير إلى دير وأنا في الثامنة من عمري. وبسببها كان بيتنا يغص دائما بالشعراء «الجوالين «و «الجوالات» الذين يتغنون بالأشعار الدينية. أما جدي فكان نقيضها. لم يكن من البلاهة ليجترع الكأس. وكان يعتبرهم منظمين لأعراس دائمة لكن دون تكليل. و بعد مغادرتي للقرية راودتني كثيرا فكرة التمعن والتمحيص في منبتي الاجتماعي. في أعوام الثورة كنت بكليتي إلى جانب ثورة أوكتوبر، لكنني تمثّلتُها بطريقتي الخاصة، بميول فلاحية. فيما يخص التطور الشكلي، فأنا منجذب أكثر فأكثر نحو بوشكين. أما فيما يتعلق ببقية سيرتي الذاتية ـ يمكنكم أن تجدوها في أشعاري. سيرغي يسينين ـ أوكتوبر 1925. كتب «يسينين «سيرته هذه قبل شهرين من انتحاره. لعل رهافة حسه لم تتحمل الأخطاء الحاصلة في سياق مرحلة التحول الاشتراكي العظيمة.. وهذا القول ينسحب أيضا على شاعر الثورة ماياكوفسكي (1893 ـ 1930 ) الذي أقدم على الانتحار بعد خمس من السنين على انتحار يسينين..‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية