|
ثقافة عن وجود مشكلات حقيقية تعيق وبأشكال مختلفة، بعض المبدعين المتخصصين بالرسم والأدب الموجه للأطفال، والذين ساهموا بتنمية النزعات الابتكارية عند الأطفال، وتغذية شعور انتمائهم إلى التراث الحضاري والبيئة المحلية والوطن.
والكنز الابداعي المتمثل في الفن الذي ينتجه الطفل، لايزال دون رعاية جدية في مجمل الأقطار العربية، مقارنة مع البلدان المتقدمة في الشرق والغرب. وأول ثغرة وقع فيها النقد المحلي الفني والأدبي، بالرغم من وجود مديرية لثقافة الطفل عندنا، تكمن في التصنيف التعسفي الذي يضع فن وأدب الطفل، في المرتبة الثانية، وخارج إطار الأعمال الابداعية الموجهة إلى الكبار، وبخلاف ما هو موجود في العالم، حيث نجد أن امبراطورية «والت ديزني» قد وصلت إلى حدود الأسطورة، كما أن شهرة الكاتبة الانكليزية «جي.كي.رولينغ» مؤلفة سلسلة قصص «هاري بوتر» توازي شهرة كبار نجوم الغناء والسينما والتلفزيون.
وفي هذا السياق لاأجد مسوغات موضوعية لهذا التصنيف، وذلك لأن الرسم الذي يوضح دلالات القصة الطفولية في كتاب مدرسي أو مجلة أو مطبوعة، هو الأكثر صعوبة من الاستعانة الآلية بنتائج الخبرات التقنية الأوروبية في اللوحة التشكيلية الحديثة، التي تطل في أكثر معارضنا. كما أن قلة أو ندرة العاملين في مجال الرسم الموجه إلى الأطفال تؤكد هذه الحقيقة، من منطلق أن رسام الأطفال يحتاج على الأقل إلى موهبة وقدرة على التحكم بخط الرسم، في خطوات تجسيد الحركة الحية النابضة، التي تثير انتباه الطفل وتعمل على تحريك مشاعره وأحاسيسه المرهفة والشفافة، وهذه الخصائص المرتبطة بموهبة أصيلة غير متوفرة عند عدد كبير من العاملين عندنا في مجال انتاج وعرض اللوحة الفنية التشكيلية. بدايات مجلة أسامة ومن خلال عودتي الى الأعداد الأولى من مجلة أسامة، التي صدرت في نهاية الستينات وبداية السبعينات، والموجودة في أرشيفي، اكتشفت أن العديد من الفنانين الرواد والمخضرمين، عملوا في مجال الرسم الموجه للأطفال في أعداد المجلة، من أمثال نعيم اسماعيل، واسعد عرابي ويوسف عبد لكي ورضا حسحس ويوسف الصابوني وغيرهم، الى جانب رسامي المجلة المعروفين والذين واكبوا اعدادها منذ بداية انطلاقتها، وفي مقدمتهم ممتاز البحرة، آملين أن تتحقق خطوات تكريم رواد الرسم الموجه للأطفال، الذين ساهموا في انجاحها منذ انطلاقة عددها الأول عام 1969. ومن جهة أخرى تثير رسوم الأطفال، انتباه واهتمام العديد من الفنانين والباحثين والمتابعين، وذلك لأنها تركت منذ النصف الأول من القرن الماضي، تأثيرات واضحة على تجارب العديد من كبار الفنانين المعاصرين. وهنا تكمن أهمية اقامة معارض لرسوم الاطفال، والاهتمام بفن الطفل لايكون فقط عبر إخضاعهم لدورات واقامة معارض لهم, وانما ايضاً في خطوات كشف خصائص هذا الفن وتشجيع ظهور العناصر الفردية في تعبيرية فنون الصغار. فمعارض الصغار تعبر في النهاية عن النمو الابداعي عند الموهوبين منهم، حيث تدخلنا بعض رسوماتهم الى عالم الالوان والاشكال والاشارات. فالطفل يمتلك قدرة غير عادية على التعبير بصدق مطلق، وبالتالي فهو يعمل على تنظيم الفواتح والقواتم ويوزعها في اللوحة باحساس تلقائي وعفوي وفطري، ويصل في بعض مقاطع اللوحة،وبشكل غير مقصود، الى التجريد، كل ذلك بلباقة شاعرية، وبشغف داخلي وبحساسية فياضة، ندرك من خلالها زهوة العالم الطفولي والفرح المشرق في عيون ورسوم الاطفال. والطفل هنا يعتمد على اكثر من خطة لونية وتجذبه تقنية التعبير باقلام الشمع والفلوماستر والرصاص وغيرها، والارتجال عنصر اساسي في رسوماته, وهذا يفسح المجال امام الطفل للتعبير عن احساسه الداخلي دفعة واحدة، فالطفل يرسم موضوعه بصدق ومحبة وباندفاع من ايحاءات احلامه ورغباته, وانطلاقاً من اشياء رمزية محيطة به، وهو يضيف الى الواقع لمسات وتكاوين ذاتية تبرز شخصيته، وتشبع حاجاته التعبيرية واستمتاعه، وتذوقه غير المباشر لجماليات الفنون التشكيلية الحديثة والمعاصرة. بين اللعب والرسم ويمكن القول: إن افضل الرسومات الطفولية، هي التي يتجاوب الطفل من خلالها بعفوية مطلقة وصادقة مع معطيات اللون، فالطفل يتعامل مع عناصره التعبيرية البصرية بتلقائية ذاتية لها علاقة بميوله واهتماماته ومظاهر بيئته المألوفة. وهو يدمج أحياناً اللعب بالرسم والتلوين والفرح المشرق، ويحاول إظهار مرونة رموزه التعبيرية، التي يحكي من خلالها حكايته مع الواقع, وهذا يشكل اهم خصائص رسومات الاطفال، حيث يترك الطفل في حالة من النقاء المطلق في خطوات حمايته من اخطار تأثيرات الوسائل الايضاحية السيئة ذات الصفات التقليدية والتسجيلية والباردة. وعندما تقوم صالة عرض بتقديم معرض طفولي، فهي لاتحدد نشاطها في حدود الميادين المالية، وانما تتعداها نحو ايجاد المزيد من الاهتمام بلوحات الصغار، على اساس انهم سيحددون آفاق المستقبل الفني المشرق، ومعارض الاطفال تنشل البراعم من الضياع، وتمنحهم لمحة تربوية في كيفية التدرج من مرحلة الى اخرى، اذ من المتعارف عليه، في مبادئ التربية الفنية الحديثة, ان لكل فترة زمنية من عمر الطفل، مرحلة تعبيرية لها مقوماتها الاساسية، وكلما كبر الطفل كانت رسوماته اقرب الى الصياغة الجامدة، القادمة من تأثيرات المظاهر التربوية الراكدة. وعلى هذا الاساس يرى كبار التربويين المعاصرين ان اكثر الرسوم صدقاً هي التي يرسمها الطفل الاقل عمراً والاكثر موهبة، وتلك الرسومات الطفولية، الأكثر صدقاً تركت تأثيرات واضحة، على بعض تيارات فنون العصر، ومن ضمنهم «بابلو بيكاسو» الفنان الاسطوري الأكثر شهرة واشكالية وانقلابية وثورية وتأثيراً على ثقافة وتحولات فنون القرن العشرين، قرن التحولات والانقلابات الفنية الكبرى. facebook.com/adib.makhzoum |
|