تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


عندما يغدو -الغش- معول هدم .. بـــأي ســــــلاح يواجهـــــــه المجتمــــــــع؟

مجتمع
الأحد 4-7-2010م
ملك خدام

كي لا يدمروا أحلامك..

كي لا يؤذوا أولادك..‏

كي لا يسرقوا مالك..‏

كلمات استوقفتني عبر طرح بضاعة مزورة في السوق ولكني لم أدرك حقيقة معناها إلا عندما وجدت نفسي وجهاً لوجه أمام بعض ضحايا الغش في السلعة الوطنية في قسم إسعاف مشفى دمشق‏

الذي استقبل أماً وسبعة أولاد احترق منزلهم بالكامل بسبب التقليد في تصنيع مأخذ كهربائي استخدم فيه البلاستيك غير المقاوم للحرارة بدل الفيبر ما أدى إلى ذوبانه شيئاً فشيئاً وبالتالي نشوب حريق هائل في بيت هذه الأسرة الآمنة في ليلة مروعة وسجلت الحادثة -حينئذ- على ذمة حريق بسبب ماس كهربائي بينما الحقيقة التي لم يبحث عنها أحد أنه ناجم عن ماس لا أخلاقي عصف بالبقية الباقية من وجداننا وضميرنا الانساني، الذي استمرأ الغش في كل شيء بدءاً من الغش في الامتحان ومروراً بالغش في علاقاتنا الانسانية وانتهاء بالسلع التي تمس أمن وسلامة الناس كالغذاء والدواء, ما حدا بنا إلى التوقف أمام آفة الغش بشكل عام في المجتمع والعواقب السلبية التي يمكن أن يفضي إليها في تقويض البنى التحتية للمجتمع وتخريب الضمير الوجداني وإشاعة مناخ عام من عدم الثقة وزعزعة أمن وأمان الناس.‏

فالغش كما عرفه ماهر سكري تاجر جملة بالأدوات الكهربائية هو الوجه الآخر للفساد, ومن وجهة نظره هو الوجه (الأقبح) حين يجد لانتشاره المناخ، وراح يحكي لنا حكاية تاجر استغل (العلامة الفارقة) لأحد معامل القطاع العام فاشترى مساحة في ذات موقع هذا المعمل وراح ينافسه ليس في الجودة وإنما في تجاوز هامش الربح الذي أقنع العام بـ 15٪ منه بينما أراد -الخاص- الوصول إلى 150٪ من هذا الربح والانتشار إلى 22 فرعاً، ولو على حساب تخفيض عامل -الجودة- الذي انعكس على شكل كوارث في المنشآت والبيوت.‏

في حين كان لأبي سمير الحموي حكاية أخرى كادت تسرق ثقة الناس بمنتجه وتضيع 40 عاماً من جهده في خدمة هذا المنتج ما جعله يلجأ إلى وسائل الاعلام لبث إعلان يحذر العامة من تقليد منتجه في الأسواق والتأكيد للتجار الذين يروجونها بأن البضائع المزورة جريمة يعاقب عليها القانون.‏

أما باشايان للأحذية الطبية فلم يجد أمامه بعد اختراق البعض لحماية الملكية على منتجه سوى اللجوء إلى القضاء، ورغم ذلك أكد لنا ابنه أنه -لا جدوى- طالما النفوس ضعيفة والعقوبات غير رادعة.‏

في حين تساءلت مي شركس مديرة مكتب المدير العام لمشفى المواساة أمام تصاعد حالات التسمم الغذائي بسبب اللحوم الفاسدة كيف تدخل هذه اللحوم إلى السوق المحلي أصلاً وأعلنت أنها قاطعت هذه السلعة منذ حين.‏

أما النحال محمد البنشي فقد كان له رأي آخر في الغش الذي يصعب كشفه تحديدا في مادة العسل التي جعلها الله شفاء ودواء للناس، وقال إنه لولا عراقته في هذه المهنة لما أتقن حرفية التمييز بين الغث والسمين في هذا الذهب الأصفر الذي يقع ضحية الغش فيه أغلب الناس وتساءل البنشي: لماذا نجد عدد الضبوط التموينية أقل من المخالفات الحقيقية وكم هو عدد الضبوط التي يتم تحويلها فعلياً إلى القضاء؟!.‏

من جهته حدثني الدكتور بشير البردان ذات مرة عن الغش في الأدوية بالتلاعب في نسبة المادة الفعالة فيها، ومن وجهة نظره رأى أن دعم المنتج الوطني من الأدوية شجع بعض ذوي النفوس الضعيفة في المعامل غير الحكومية لاستغلال سعة ملاءة هذا الدعم في التسويق والترويج لمنتجهم غير المطابق للمواصفات القياسية.‏

حتى في مجال التبغ والتنباك والآن نحن على طرفي نقيض عن الحديث في مجال الأدوية، فقد أكد لنا الدكتور فيصل سماق المدير العام لمؤسسة التبغ أنهم قد اكتشفوا أكثر من صنف مزور عن الحمراء بنوعيها والمعسل المغشوش المطروح في الأسواق مازاد الطين بلة وزاد الضرر على ضرار.‏

أما مهند مصاصاتي تاجر جملة بالمستلزمات الكهربائية والثريات فقد أدهشنا بطرق وأساليب الغش التي تخضع لها هذه السلعة التي يطلبها السياح ما بين البخ العادي والبخ الحراري واكسسوارات السلعة من كريستال النخب الأول الأصلي والكريستال المغشوش حيث هامش الربح عريض بين النوعين إذ قدر ثمن الثريا الأولى بـ 35 ألف ليرة سورية والثانية بـ 18 ألف ليرة سورية.‏

وتساءل مهند:‏

أين -الضوابط- التي يعمل بها في متابعة الغش في هذه السلعة، مؤكداً بأن الرقابة الأولى هي رقابة الضمير فمن غشنا ليس منا.‏

من ناحيته أثنى المحامي أحمد رزق على المرسوم التشريعي رقم 16 الذي ألغى التعديل الجاري بموجب المادة /1/ من القانون رقم 47 تاريخ 9/1/2001 على المادة من القرار بالقانون رقم 158 تاريخ 24/5/1960 بشأن قمع الغش والتدليس.‏

والتأكيد على استمرار محاكم القضاء العادي بالنظر بالقضايا القائمة أمامها قبل نفاذ هذا المرسوم الصادر في 2/4/2008.‏

كما أشاد بالمرسوم التشريعي رقم 21 الصادر بـ 22/3/2007 في ممارسة الرقابة الفنية (الجودة) على المستوردات والصادرات (في البند السابع منه).‏

وكذلك رعاية حقوق المستهلك وإعداد التشريعات اللازمة لحمايته بالتنسيق مع الجهات المعنية (في البند السادس منه)، وأيضاً المساهمة مع الجهات المعنية في إقامة نظام متكامل للجودة وإنشاء جهاز وطني للاعتمادية ومتابعة تطوير المخابر الثابتة والمتنقلة وتوفير الأدوات والمعدات اللازمة واستعمال نظم إدارة الجودة في أعمالها (في البند السابع منه).‏

والأهم من كل ذلك من وجهة نظر المحامي رزق تنظيم حماية الملكية التجارية والصناعية ومنح العلامات الفارقة والرسوم والنماذج الصناعية وبراءات الاختراع ومتابعة الانضمام إلى المعاهدات العربية والدولية المتعلقة بحماية الملكية التجارية والصناعية (في البند التاسع منه).‏

ويرى المحامي أحمد سعيد رزق بأن تنفيذ هذا المرسوم بحيادية وكفاءة ومتابعة ونزاهة لابد أن يأتي أكله في تطوير آليات مكافحة فنون الغش في المجتمع، في حين أكدت الباحثة الاجتماعية نسرين ابراهيم دواي في الختام أن قمع الغش وقطع دابره في المجتمع مسؤولية جماعية تبدأ من الأسرة وعدم الزيف والغش في العلاقة الزوجية وتمر بالتربية كإرشاد (في المدارس والمعاهد والجامعات) ولا تنتهي بالاعلام (كتوعية وتثقيف) لأن للقضاء الكلمة الفصل في الملاحقة الجزائية والتأديب حسب ما ينص عليه قانون العقوبات فلا يعتقد الغشاش أنه في منأى عن المحاسبة ومنجاة من العقاب.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية