|
دراسات الترحيب اشتمل إضافة مثيرة للاهتمام أغنى بها الرئيس الصديق للعرب المراسم البروتوكولية المعتادة. الإضافة تمثلت في قول الرئيس شافيز: «لقد شرح لي الرئيس الأسد تطورات الشرق الأوسط، ولم أتعلم عن تاريخ تلك المنطقة كما تعلمت اليوم». مبعث إثارة الاهتمام في هذه الإضافة يكمن في أن فنزويلا تسمع لأول مرة خطاباً جديداً، لم تكن تسمعه سابقاً من الدبلوماسيات العربية. ولهذا سببان أولهما: أن أميركا الجنوبية، أي الحديقة الخلفية للولايات المتحدة بقيت رغم التطورات العاصفة في تاريخها الحديث ساحة مفتوحة لضخ إعلامي إمبريالي متعدد الجنسية، يلتزم الانتقائية في نقل صورة مايجري على ساحة الصراع العربي- الصهيوني، وبما يضلل المتلقي في أميركا الجنوبية، كما على امتداد العالم ، عن طبيعة الصراع. والسبب الثاني، أن الخطاب العربي الذي يصل تلك الأصقاع من الدنيا يكون عادة خطاب العرب الذين استمرؤوا ممارسة الحجيج إلى «البيت الأبيض» مطلع رئاسة أي رئيس جديد، أو مجدد له للتعرف على «جديد» التوجهات. وسورية لم تكن طيلة تاريخها الحديث في مواكب الحجيج هذه، أي إن خطابها المستقل لم يكن معروفاً بما فيه الكفاية، ولاسيما إذا أخذنا في الاعتبار أن السيد الرئيس بشار الأسد هو أول رئيس سوري، منذ الحرب العالمية الثانية يجتاز المحيط الأطلسي. ولهذين السببين يمكن أن يقاس الجديد في الخطاب السوري بمقياس القدرة على الإفلات من ماكينة حجب المعلومات التي يمارسها الإعلام الإمبريالي بحنكة، وبمقياس أنه مواز إن لم نقل مضاداً لخطاب حجيج واشنطن. وفي التفصيل، فإن حنكة الإعلام الإمبريالي في حجب المعلومات، وجدت في أيار الماضي، شاهداً على سطوتها المنسقة مع صناع القرار الإمبريالي، في الموقف المقطوع الصلة بـ «قيمة» حرية الرأي، من الإعلامية الأميركية هيلين توماس، بمجرد أن أبدت الرأي في حل لأزمة المشروع الصهيوني التاريخية، وهو أن يعود اليهود المجلوبون إلى فلسطين إلى بلدانهم الأصلية وقد نجح صوت سورية عقوداً في تكريس خطاب كهذا بحكم ارتهان بعض العرب للمشيئة الإمبريالية، إلى ذلك، فإن العرب أمة واحدة، هكذا ترسم الولايات المتحدة و«إسرائيل» حساباتهما وخاصة من الزاوية العسكرية، فيتم تدجيج الكيان الصهيوني بما يجعله متفوقاً على العرب مجتمعين. ورغم أنف هذا المعطى، فإن العرب في مجموعهم لايبنون عليه مقتضاه في علاقاتهم الدولية: الدبلوماسية والاقتصادية!! وخاصة حين يتعلق الأمر بترتيب أولوياتهم في شأن من يصادق العدو القومي، مايرسم صورة معاكسة لكونهم أمة واحدة: وقد كان ذلك صحيحاً بإطلاق حيال الاتحاد السوفييتي، وهو يصح يومياً حيال إيران، كما حيال أي ظهير دولي يؤازر مقاومة بعضهم للعدوانية الصهيونية. هنا موقع الأهمية السياسية للانطلاقة السورية في فضاءات أميركا الجنوبية إذ إن هذه الانطلاقة تتصف بالقدرة على الاستعصاء على التنميط الذي دأبت واشنطن به على محاصرة أي سياسة عربية رشيدة باتهامها أنها سياسة «متشددة» إتهاما ًيفضي إلى تسويق استقالة بعض العرب من المسؤولية القومية حيال قضية الصراع مع الغزوة الصهيونية، بوصفها سياسة «معتدلة»!. بالصدقية العالية المسلم بها عالمياً للسيد الرئيس بشار الأسد حرم ماكينة التنميط الإمبريالي في الدبلوماسية والإعلام من المزايا التي كانت تتحصل لها من إلصاق وصف «التشدد» والتطرف وحتى «الإرهاب» بالخطاب العربي المقاوم للعدوانية الصهيونية، وذلك لأن خطاب الأسد بما له من بساطة آسرة وشفافية، قدم الحقائق كما هي في رسم صورة حية عن المشهد السياسي في المنطقة، محورها أن «إسرائيل» ليست شريك سلام. وهذه الصورة حية ومؤثرة في إعادة تشكيل الرأي العام في أميركا الجنوبية والعالم، بقوة الشواهد التي «يتبرع» بها الكيان الصهيوني في مقاربته الخرقاء لملفات عملية السلام، ولاسيما ملف حصار غزة وما يتفرع عنه كتشكيل لجنة دولية للتحقيق المستقل في الهجوم على أسطول الحرية في المياه الدولية، وملف تهويد القدس الذي يفرغ جولات ميتشل من أي محتوى يعتد به، وذلك بإعلان نتنياهو استعداده، للاجتماع بعباس في رام الله أو القدس، وليس تل أبيب، على مافي هذا الاستعداد من أبلسة لإخراج القدس من بنود التفاوض. وهذه الصورة الحية والمؤثرة تعصف، وهنا تأثيرها بقدرة إعلام واشنطن ومن ينفذ أجندتها على الاحتفاظ بالصورة غير الدقيقة للمشهد في المنطقة، والإتجار بالتدليس في شأن «عملية سلام» جارية!. على نحو ما استدركه سيرغي لافروف في القاهرة 30/6 بالخروج عن الصمت في الاتصال الأميركي (السري) مع حركة حماس لشقها بين معتدلين ومتطرفين، مشيراً إلى شفافية الاتصال العلني الروسي في الحركة بوصفها منتخبة من الشعب الفلسطيني. أما البيئة الأهم التي قام الرئيس بشار الأسد، بتخليقها في جولته لفتح آفاق جديدة للعرب، فهي أنه عزف على وتر المنافع المتبادلة بين سورية التي لديها مايفيد وبين أميركا الجنوبية التي كذلك لديها مايفيد العرب. |
|