|
شؤون سياسية وأهمها تداعيات الأزمة المالية والاقتصادية الخانقة التي تعصف بها وهي على ما يبدو ليست لديها الوسيلة الناجعة للتعامل مع أركان حكومة نتنياهو اليمينية المتطرفة في إسرائيل سوى الذي نسمعه من بعض أعضاء أركان الإدارة الأميركية في السعي للتوصل إلى حل الدولتين ومطالبة كل طرف /إسرائيل والفلسطينيين/ بتنفيذ التزاماته الواردة سواء في خريطة الطريق أو في تفاهمات أنابوليس. ولهذا فمن المؤكد أنه وفقاً لهذا المشهد فليس أمام إدارة أوباما مقداراً كافياً من المساحة للحركة لتختار الأنسب مع حكومة نتنياهو وإن كانت تتفق مع واشنطن في المصالح والأهداف وخصوصاً حيال الملف النووي الإيراني وتنفيذ مشروعهم المشترك بحق أمتنا في المزيد من أحداث النزيف تلو النزيف في جسمها كي يبقى مريضاً متهالكاً لا يقوى على الحركة. كما أن التفكير السياسي الإسرائيلي لحكومة نتنياهو أخذ في واقع الحال قمة التطرف للعديد من الملفات الساخنة في أجندته خصوصاً بعدما أعلن نتنياهو وليبرمان وبيريس أن عملية السلام في المنطقة قد أصبحت من الماضي بعد أن ماتت وأن التفاوض حول الدولة الفلسطينية مستحيل حتى أخذ الأمر بـ(ليبرمان) أن تحدى الرئيس أوباما عبر الصحافة الأميركية مؤخراً وقال على الرئيس أوباما ألا يتوقع من الحكومة الإسرائيلية الجديدة الاندفاع في مفاوضات مع الفلسطينيين وأن حكومته تريد الحصول على ما يلزمها من وقت للتنظيم وصياغة أفكار جديدة لأنه حسب قول ليبرمان من المستحيل استئناف مباحثات حول إقامة دولة فلسطينية مستقلة إلى جانب إسرائيل وأن الوضع مع الفلسطينيين وصل إلى طريق مسدود في هذه المرحلة. أما نتنياهو فهو في بيانه يقول سنبذل ما في وسعنا لانجاز السلام مع الفلسطينيين وأن يده ممدودة مع كل دولة عربية تريد ذلك، لكنه في حقيقة الأمر يعلن في أكثر من مناسبة أن عملية السلام ماتت ولم تتجمد فقط والاستمرار في المشاركة بالعملية السلمية مع الفلسطينيين لعبة عبثية، هذه المواقف الإسرائيلية المتناقضة مع السلام ومع توجهات إدارة أوباما لتحقيق دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل تبناها وأطلقها أيضاً أعضاء حكومة نتنياهو /باراك ويشاي وليبرمان/ الذين رفضوا بدورهم أي خط جديد لإدارة أوباما لإعادة العملية السلمية في المنطقة إلى مسارها وبالتالي لنهج هذه الإدارة الدبلوماسي كما يبدو في حل القضايا الاقليمية والدولية وتغليبها هذا الحل عن لغة التهديد والتلويح باستخدام القوة ولعل الرسالة الإسرائيلية التي أرسلت إلى البيت الأبيض الأميركي لم تكن صعبة على هذه الإدارة لفهمها وهضمها بقدر ما أرادت هذه الإدارة على لسان الرئيس أوباما الرد من جديد على الإسرائيليين ليؤكد لهم أنه فهم رسالتهم وأنه لا يقبلها بل ويرفضها وهذا ما فسره المراقبون على أن تفسيرات ومواقف أوباما حازمة بعض الشيء وأنه بعكس إدارة سلفه بوش التي انغمست في التورط بقضايا دولية على حساب أزمة الصراع العربي-الصهيوني وتجاهله بالتالي عملية السلام. ولا شك أن زيارة الرئيس أوباما لإسرائيل في حزيران المقبل من شأنها أن تكشف عن المستور في هذا السجال القائم بينهما وبتلك المواقف الإسرائيلية المتعنتة ولهذا يرى المراقبون أنه ليس أمام نتنياهو اليوم سوى الاسراع في تقديم نفسه وحكومته بصورة الزعيم المعتدل التي يفضلها الأميركيون في عهد أوباما وليس بالشخص المتطرف كما كان الحال إبان عهد الرئيس جورج بوش الأسبق، ولهذا يبقى قرار الفصل وكما كان دائماً هو لدى البيت الأبيض الذي لا يغيب عن سجلاته من هو الفريق الحاكم في إسرائيل بثالوثه الذي من أعتى عتاته المتطرف أفيغدور ليبرمان زعيم حزب إسرائيل بيتنا وايلي يشاي زعيم حزب شاس الديني وايهود باراك زعيم حزب العمل المعروف بالعسكري الأسود ويضاف إليهم صاحب مجزرة قانا في جنوب لبنان شمعون بيريز الذي قتل فيها أكثر من مئة طفل وكهل وامرأة في عدوان عناقيد الغضب عام 1996، إضافة إلى أن بيريز شريك اسحاق رابين رئيس وزراء إسرائيل في كسره عظام أطفال الانتفاضة الفلسطينية الأولى ما بين أعوام 1987-1993. إن أميركا أوباما مدعوة اليوم إذا كانت صادقة في توجهاتها لكي تكون الراعي النزيه والمحايد لعملية السلام أن تتقدم بخطوات جريئة وملموسة حيال هذا الكيان الغاصب وإن كنا لسنا من المتفائلين في قدرة هذه الإدارة على فعل ذلك لأن المصالح المشتركة للطرفين لا تزال هي هي في الإطار الواحد. ولأن نتنياهو وأعضاء حكومته تسابقوا إلى إعطاء النصائح للرئيس أوباما ولأعضاء إدارته ولما عليه أن يفعل وتركز ذلك في المقابلة الشهيرة التي أجراها نتنياهو مع مجلة اتلانتيك الشهر الماضي تحت عنوان /الخطر المشترك لإسرائيل وأميركا/ والذي أكد فيه أنه على الرئيس أوباما أن يعالج مهمتين كبيرتين /إصلاح الوضع الاقتصادي ومنع ايران من امتلاك السلاح النووي/ واعتبر نتنياهو أن المهلة الزمنية الممنوحة للرئيس أوباما لمحاورة إيران لا تتعدى ثلاثة شهور وليست عاماً أو أعواماً، ولعل المراقبين الأميركيين قبل غيرهم اعتبروا أن هذه الأقوال هي بمثابة إنذار إسرائيل للولايات المتحدة بإدارتها الجديدة وما يريد نتنياهو تسويقه اليوم للرئيس أوباما قبيل لقائهما المرتقب في البيت الأبيض هو تهميش ملف الصراع العربي الصهيوني وتحويل أنظار إدارة أوباما والعالم والعرب أيضاً على أن الخطر الماثل لهم جميعاً هو إيران وعلى الجميع بمن فيهم العرب الاستعداد لمواجهة ذاك الخطر المزعوم ولعل نتنياهو كان واضحاً في هذا السياق بقوله: ليست إسرائيل الدولة الوحيدة التي تعاني من خطر الجمهورية الإسلامية بل هناك دول أخرى كثيرة بل وجميع العالم بأسره يخشى من يوم امتلاك هذه الجمهورية الإسلامية للسلاح النووي ولهذا فهو يسعى أي نتنياهو إلى تشكيل جهد مشترك مع الرئيس أوباما لحشد العالم بأسره ضد الخطر الإيراني. هذه هي إسرائيل بطاقمها المتطرف والإرهابي القادم والجميع بانتظار الأسابيع القادمة إن كان سيخرج منها الدخان الأبيض أم الأسود فلننتظر إذاً. |
|