تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


ثلاثة ملايين لاجىء أفغاني في باكستان...طالبان .. من مدارس الهند وباكستان إلى حكم كابول وانهيار الدولة

قاعــدة الحدث
الأثنين 11-5-2009م
اشراف: د. حيدر حيدر

في الجدل المستمر حول حركة طالبان الأفغانية، والآن حول طالبان الباكستانية أيضاً، منذ نشوئها ووصولها إلى السلطة في أفغانستان ثم انسحابها إلى المناطق الجبلية عقب الاحتلال الأميركي، فإن الأسئلة نفسها تبقى دون إجابات واضحة، فهل طالبان الأفغانية أو الباكستانية تمثل بشكل ما أطيافاً واسعة من السكان؟ وهل تجد طروحاتها قبولاً لديهم، وهل أنصف الإعلام العالمي والغربي خصوصاً هذه الحركة، وهل كان متوازناً في الحديث عنها؟! أسئلة كثيرة تحتاج إلى إجابات شافية.

وفقاً لكتاب أصدره مركز الدراسات السياسية في إسلام آباد عام 1997 فإنه ومنذ تأسيس دولة أفغانستان عام 1747 تولى السلطة في البلاد ثلاثون حاكماً خلال 250 سنة منهم 13 حاكماً تقلدوا مناصبهم استنادا لأسباب دينية، ومنهم أحد عشر حاكماً عزلوا لأسباب دينية، فالأفغان - كما يؤكد الكتاب- شعب متدين ويقدر علماءه كثيراً.‏

واليوم هل الأمية والبطالة والفقر، أم الصراع الدولي على أفغانستان والذي ولّد الفوضى والخراب وانعدام الأمن، يؤخر هذا البلد وتلك المنطقة عموماً؟.‏

في هذه الصفحة نلقي الضوء على حركة طالبان وظروف نشوئها وأهدافها وأعمالها ونشاطها الحالي علنا نمسك بطرف الخيط لنعرف إلى أين تسير الأمور في منطقة مشتعلة؟.‏

***‏

قندهار موطنها.. والجبال الوعرة ملاذها.. ووزير ستان نفوذها‏

قندهار ... لعبة إطفاء الجمر‏

طالبان هي جمع لكلمة طالب في لغة (البشتو) وقد نشأت حركة دينية بهذا الاسم في ولاية قندهار الواقعة جنوب غرب أفغانستان على الحدود مع باكستان عام 1994 على يد الملا محمد عمر وتضم الحركة في صفوفها طلاب المدارس الدينية الديوبندية (نسبة إلى قرية ديوبند في الهند) الذين بايعوا الملا عمر أميراً لهم، واسمه الكامل محمد عمر مجاهد، ويتدرج الطالب في هذه المدارس، فمن المرحلة الابتدائية إلى المتوسطة، فالعليا والتكميلية وخلال دراسة الطالب تتغير مرتبته العلمية من مرحلة إلى أخرى.‏

فهو يبدأ «طالباً» ثم «ملا» وأخيراً «مولوياً» وهو الذي أنجز المنهج ووضعت على رأسه العمامة وحصل على إجازة في التدريس.‏

ويتميز أفراد الحركة بالصلابة والقدرة على تحمل المشاق والصعوبات كسائر الأفغان، وبوجه خاص سكان ولاية قندهار، وهي المنطقة التي نشأت فيها هذه الحركة، ففي ولاية قندهار لعبة شعبية معروفة اسمها «إطفاء الجمر» وهي مسابقة تتطلب من المشاركين حمل جمر مشتعل بأيديهم حتى ينطفىء، والفائز هو من لا يتأوه أو يتحرك وهي لعبة تعكس قدرة سكان هذه المنطقة والتي انطلقت منها «طالبان» على تحمل المشقات وخشونة العيش، علماً أن الأفغان عموماً معروفون بالصلابة والبساطة المميزة لحياتهم وكذلك باحترامهم لعلماء الدين، أضف إلى ذلك أن أفراد حركة طالبان مخلصون لأفكارهم، وهم يثابرون على تنفيذها.‏

صراعات وحروب وفوضى‏

عقب انسحاب القوات السوفييتية من أفغانستان، دبت الفوضى وأصبح الصراع على السلطة في أوجه، ونشبت حروب أهلية طاحنة بين فصائل المعارضة الأفغانية، وبلغت الخسائر البشرية أكثر من 40 ألفاً، ولم يتمكن الوسطاء الدوليون من وضع حد للحروب الطاحنة، أما البلاد فغرقت في الفوضى، وانعدم الأمن، ولم تتمكن أي جهة من السيطرة الكاملة على أفغانستان، فحكومة رباني ومسعود كانت تسيطر على سبع ولايات في شمال ووسط البلاد، بينما كان الزعيم الشيوعي السابق رشيد دوستم يسيطر على ست ولايات في الشمال أما «شورى ننجرها» فكانت تحكم ثلاث ولايات في الشرق وإدارة اسماعيل خان كانت تتحكم في غرب أفغانستان ناهيك عن أن عدداً من الولايات لم يكن فيها أي نوع من الإدارة.‏

وقد عانى السكان من انعدام الأمن وابتزاز الأموال وفرض الأتاوات من قبل مجموعات مسلحة، فكانت الأجواء مهيأة لأي سلطة تفرض الاستقرار وتعيد الأمن وخاصة أن الفقر المدقع استشرى وظهرت طبقة أثرياء الحرب جراء المتاجرة بالأسلحة والمخدرات وبالأحجار الكريمة وسط شعب من أفقر شعوب العالم.‏

أما بالنسبة لباكستان المجاورة، فسعت للتعاون مع حكومة صديقة في أفغانستان، تستطيع من خلالها تأمين حدودها وكذلك تجارتها مع جمهوريات آسيا الوسطى، لذا فعندما ظهرت حكومة طالبان سارعت باكستان إلى دعمها والتعاون معها.‏

وفي تلك الفترة أيضاً تقاطعت مصالح الولايات المتحدة الأميركية مع مصالح طالبان، فأميركا سعت لضرب الأصولية الأفغانية بأصولية أشد منها ما يسهل تطويعها لتخدم السياسة الأميركية، من خلال تشديد الحصار على إيران، وكذلك تطلع واشنطن لمنطقة بحر قزوين وجمهوريات آسيا الوسطى حيث تحوي منطقة بحر قزوين أكبر ثاني احتياطي نفطي في العالم بعد الخليج العربي.‏

هذه الأسباب مجتمعة ساهمت في وصول حركة طالبان إلى السلطة في أفغانستان.‏

العلاقة مع باكستان.. إلى أين؟‏

أعلن الناطق باسم طالبان يوم 3/11/1994 وهو الملا عبد المنان نيازي عقب الاستيلاء على مديرية سبين بولدك أن هدف الحركة هو استعادة الأمن والاستقرار وجمع الأسلحة من جميع الأطراف، إضافة إلى إزالة مراكز جميع الأتاوات.‏

وبعد استيلاء حركة طالبان على عدد من الولايات لقيت نوعاً من الترحيب من شريحة واسعة من الشعب الأفغاني الذي أنهكته الحرب الأهلية والفوضى وانعدام الأمن.‏

وبتاريخ 4/4/1996 ألقى الملا محمد عمر كلمة أمام العلماء في قندهار أعلن فيها أن حركته طورت من أهدافها ليصبح هدفها إقامة حكومة إسلامية.‏

وقد كثرت التحليلات حول إنشاء حركة طالبان ومن يقف وراءها، فالذين يرون أن المخابرات الباكستانية وراء إنشائها يستندون إلى جولة قام بها وزير الداخلية الباكستاني الأسبق نصير الله بابر في جنوب وغرب باكستان في تشرين الأول 1994 حيث التقى مع مسؤولين في ولايتي قندهار وهيرات، وحادثة إرسال قافلة إغاثة والتي أنقذتها طالبان بعد محاولة جماعة جيلاني بزعامة منصور اعتراضها، أبرزت اسم طالبان في الإعلام العالمي.‏

لكن حركة طالبان كانت قد بدأت نشاطها قبل أربعة أشهر من ذلك التاريخ، وكان ظهورها يتواكب ورغبة باكستانية في دعم شعبي بحجم طالبان التي بدأ الشعب الأفغاني يؤيدها، وهناك من يؤكد أن أمير جمعية علماء الإسلام الباكستانية وكان يرأس لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان في حكومة بي نظير بوتو، طرح فكرة إنشاء حركة طالبان مستشيراً برهان الدين رباني وعبد رب الرسول سياف، فكان إنشاؤها من أجل توجيه ضربة قوية لقوات حكمتيار عدوهما اللدود آنذاك.‏

وبالنسبة للملا محمد عمر مؤسس الحركة فيقول: إن الفكرة لمعت في ذهنه وهو في ولاية قندهار، حيث كان يتلقى علومه الدينية، ورأى أنه لا بد من وضع حد للفساد والفوضى ودعا بعض طلاب المدارس الدينية، فوافقوه الرأي وبايعوه أميراً لهم، وفي 3/4/1996 اجتمع ألف وخمسمئة من علماء أفغانستان من مختلف المناطق وبايعوه أميراً على البلاد.‏

كيف وصلت إلى السلطة؟‏

حققت قوات طالبان انتصارات عسكرية وهزمت قيادات عسكرية ذات خبرة اكتسبتها من المواجهات الأفغانية- السوفييتية.‏

ومع ظهور أول خلية لحركة طالبان في منطقة «سنج سار» بقندهار في تموز 1994، وضمت ثلاثة وخمسين طالباً من طلاب المدارس الدينية، حيث انتقلوا إلى منطقة «كشك نخود» وبدؤوا بنزع السلاح من المجموعات المختلفة وإزالة نقاط جمع الأتاوات وبعدها استولوا على مديرية أرغستان، وفي آب 1994 بايع طلاب المدارس الدينية الملا عمر أميراً لهم وتعاهدوا على جمع السلاح واستعادة الأمن والاستقرار وإزالة نقاط التفتيش وجمع الأتاوات.‏

وبعد ذلك استولت الحركة على مديرية سبين بولدك الحدودية كما استولت على مخازن الأسلحة والذخيرة المركزية للولايات الجنوبية الغربية التابعة للحزب الإسلامي بزعامة حكمتيار.‏

وفي 3/11/1994 سقطت مدينة قندهار بيد طالبان وبعد ذلك استولت الحركة على الولايات المجاورة دون مقاومة.‏

عززت الانتصارات السهلة من طموحات طالبان، وقد صرح مولوي أحمد الله ناني وملا حسن رحماني لمجلة «خبرنامة» أن الحركة لم تتوقع أو تنوي مجاوزة حدود قندهار، وبعد ذلك سقطت مدينة غزني وجردت طالبان قوات حكمتيار من الأسلحة، وتابعت الحركة تقدمها حتى طلب المولوي فضل الرحمن رئيس جمعية علماء اسلام باكستان الرئيس الأفغاني من برهان الدين رباني بتسليم الحكم والأسلحة التي بحوزته لطالبان.‏

وفي 27/9/1996 سقطت العاصمة كابول في يد طالبان وأعدمت الحركة رئيس أفغانستان السابق نجيب الله، وأعلن الملا عمر تكوين لجنة سداسية برئاسة الملا محمد رباني النائب الأول له، وسقطت قاعدة «باغرام» الجوية بيد طالبان.‏

وظلت المعارك دائرة بين طالبان ومختلف القوى الأفغانية الأخرى مثل قوات دوستم ومسعود، ولكن الحركة تمكنت من بسط سيطرتها على أجزاء من ولاية قندوز وبفلان في الشمال وكذلك عادت إلى فارياب ومزار شريف وطالقان، وفي عامي 1999- 2000 بسطت نفوذها على بعض مدن الشمال مثل باميان وطالقان.‏

أزمة الآثار البوذية‏

أصرت حكومة طالبان على تدمير آثار بوذية في ولاية باميان وسط أفغانستان وبدأت عمليةتدمير نظامية في الأول من آذار 2001 مستخدمة القذائف والقنابل لتفجير تماثيل بوذا العملاقة المنحوتة في الجبال، وهي فريدة من نوعها عالمياً، كما طال التدمير مجموعة بوذا في المتحف الوطني بكابول والمجموعات الموجودة في أقاليم هرات وقندهار ونانغرها وغزني والآثار المدمرة تعود إلى الفترة ما بين القرنين الثاني والسابع، عندما كانت باميان موطناً للكهنة البوذيين، وتسبب تدمير الآثار البوذية بضجة عالمية ضد حركة طالبان، ورغم الاعتراضات الدولية والدعوات الإسلامية فإن حكومة طالبان أصدرت أمراً بقرار من علمائها في 26 شباط 2001 بتدمير تلك الآثار الهامة.‏

وفي الحادي عشر من أيلول 2001 اعتبرت الولايات المتحدة أفغانستان وحركة طالبان هدفاً أولياً بعد رفض الحركة تسليم أسامة بن لادن الذي اعتبرته الإدارة الأميركية مسؤولاً عن أحداث أيلول في أميركا، بينما اعتبرته طالبان غير مسؤول لعدم تقديم الأدلة التي تثبت تورطه.‏

وقد سحبت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة اعترافهما بحكومة طالبان، وبقيت باكستان الدولة الوحيدة في العالم التي تعترف بحكومة طالبان.‏

وفي تشرين الأول شنت القوات الأميركية الحرب على أفغانستان واحتلت كابول في تشرين الثاني 2001 وانسحب أفراد طالبان من كابول، كما من باقي المدن الأفغانية، واعتصموا في الجبال، معلنين أن الهدف من الانسحاب هو تجنب سقوط ضحايا بين المدنيين، وإعادة تقييم الموقف العسكري والاستفادة من الأخطاء وإعادة تنظيم قوتها استعداداً للمعارك القادمة.‏

وقد اعتمدت طالبان بعد تركها للسلطة واعتصامها بالجبال إلى التنويع في عملياتها لمعالجة نقص التسليح وضعف كفاءة الأسلحة ومن خلال براعتها في استخدام طبيعة الأرض وتضاريسها لمهاجمة القوات الأميركية والقوات الحكومية التابعة لكابول, وكذلك القوات الحليفة للولايات المتحدة، وتؤكد التقارير الإعلامية أن ربيع 20٠6 شهد أقسى المواجهات باستخدام حرب العصابات والتفجيرات المفخخة والأحزمة المتفجرة والصواريخ الموجهة والاستيلاء على المدن والقرى.‏

***‏

استنساخ التجربة الأفغانية‏

تفرعت طالبان الباكستانية عن حركة طالبان الأفغانية، وهي تعمل في وزيرستان على الحدود الأفغانية - الباكستانية ويقودها شخص يدعى بيت الله محسود أو بيعة الله محسود، ولهذه الجماعة انتماءات قبلية، وطالبان الباكستانية التي أعلن عن تشكيلها في الفترة الأخيرة، تعمل منذ سنوات تحت أسماء أخرى مثل حركة تطبيق الشريعة التي دخلت في مواجهات مع الجيش الباكستاني في منطقة وادي سوات وأيضاً جماعة مجاهد وزيرستان وهاتان الحركتان أعلنتا قيام حركة طالبان الباكستانية ويتحدى محسود السلطة في باكستان ويقود مجموعة من طالبان تتمتع بنفوذ كبير في منطقة القبائل ووادي سوات، وقد رصدت الاستخبارات الأميركية خمسة ملايين دولار للقضاء على محسود الذي هدد بضرب العمق الأميركي، وقد توسعت في الآونة الأخيرة موجة التفجيرات واختطاف المسؤولين الأجانب في باكستان وكذلك العمليات القتالية ضد الجيش الباكستاني، وتوصف باكستان حالياً بأنها تحولت إلى ساحة للحرب الجارية بين الولايات المتحدة والجماعات المسلحة.‏

وترى أوساط سياسية مطلعة أن حركة طالبان الباكستانية هي فرع من الأصل، أي من طالبان الأفغانية وأن من أهدافها الحالية طرد الجيش الباكستاني في منطقة القبائل، ولهذه الحركة مجلس للشورى يتألف من أربعين عضواً ويقود محسود المجموعة المقاتلة في وزيرستان، ويعتبر الحزام القبلي الواقع على الحدود مع أفغانستان من أخطر مناطق التصعيد والتوتر، ويبلغ عدد سكانه 4٪ من سكان باكستان البالغ 170 مليون نسمة، وقد نجحت الحركة في نقل المعركة من الحزام القبلي إلى قلب المدن الباكستانية. وبحسب دوائر غربية فإن اضطرابات باكستان مرشحة للتصعيد والتوسع، وربما تكون البلاد هي الطرف الذي يدفع ثمن سياسات الرئيس الأميركي باراك أوباما الذي تقوم خطته على إرسال قوات إضافية إلى أفغانستان، وتقديم مساعدات مشروطة إلى باكستان ما سيعني تصعيد العنف في المناطق القبلية.‏

مليون نازح من سوات وباجور‏

تجاوز عدد النازحين من سوات وباجور مليون شخص منذ الصيف الماضي، وتزداد مخاطر عدم الاستقرار ويتعقد الموقف مع ازدياد نسبة الفشل الرسمي في حسم الأمور، ويرى رستم شاه مهمند وكيل الداخلية السابق والمفوض السابق لشؤون اللاجئين في باكستان: أن المعارك الحالية في مناطق القبائل تخفي مخططاً لتفريغها من سكانها وجعلها منطقة عازلة بين باكستان وأفغانستان، ما يسهل سيطرة القوات الأجنبية في أفغانستان عليها، ويعزز مطالبة كابول باستعادتها باعتبارها جزءاً من الأراضي الأفغانية، كانت باكستان ضمته بموجب اتفاق خط ديوراند خلال الاحتلال البريطاني لشبه القارة الهندية، ورأى أن المخطط قد يمهد لتقسيم باكستان.‏

***‏

قبائل البشتون..‏

42 مليون نسمة بين كشمير وأفغانستان وباكستان‏

مع ظهور حركة طالبان زاد الاهتمام العالمي بمعرفة جذور البشتون وتاريخهم وأماكن تواجدهم ويؤكد المختصون أنهم يعودون إلى شرق إيران ويقطنون جنوب وشرق أفغانستان وفي مناطق الشمال الغربي الحدودية والمناطق الفيدرالية المدارة قبلياً وإقليم بلوشستان بغربي باكستان، ولغتهم هي البشتو.‏

وفي عام 1747 قامت امبراطورية دوراني الأفغانية ولعب البشتون في أفغانستان دوراً مهماً بين الامبراطوريتين البريطانية والروسية، وقد أحرزوا شهرة عالمية عقب دخول القوات السوفييتية إلى أفغانستان عام 1979، ويقدر عددهم في الإجمالي بـ 42 مليون نسمة علماً أنه لا تتوفر إحصائيات دقيقة ويقال إنه توجد ستون قبيلة بشتونية، وهم يتوزعون في مناطق تمتد غرب باكستان وتصل إلى جنوب وشرق أفغانستان، بالإضافة إلى توزعهم في أجزاء أخرى تشمل شمال وغرب أفغانستان، ومنطقة كشمير الباكستانية، وإقليم السند بباكستان ومحافظة خراسان في شق إيران، كما تحتضن مناطق في العالم جاليات عدة من البشتون المهاجرين، ويضيف علماء اللسانيات لغة البشتون ضمن لسان شرق إيران وبحسب العديد من المختصين فهم شعب متنقل ينحدر من هذه المنطقة، وهاجر من وسط آسيا إلى جنوب روسيا في القرنين السابع والثامن قبل الميلاد.‏

قاوم البشتون في أفغانستان الاحتلال البريطاني لبلادهم ودحروهم، وقد ظلت أفغانستان دولة مستقلة وسط صراع دولي على مظاهر السيادة في آسيا الوسطى، وهناك شخصيات بشتونية كسبت شهرة عالمية مثل الشاعر خوشحال خان ختك في القرن السابع عشر الميلادي، والأمير عبد الرحمن خان وجمال الدين الأفغاني وغيرهم.‏

وقد تكونت الثقافة البشتونية خلال عدة قرون، وتتم كتابة لغة البشتو بالحروف العربية والفارسية، وقد ظهرت السجلات التاريخية للأدب البشتوني في القرن السادس عشر الميلادي وتطور الأدب البشتوني في العصر الحديث،ونال شهرة عالمية بعد أشعار الشاعر الأمير حمزة شينواري، ونظراً لتفشي الأمية في أوساط البشتون فإنهم يعولون على النمط التقليدي الخاص بهم، حيث يجتمع الرجال فيما يعرف «شاه خانة» أي دار الشاي للاستماع وإنشاء الأشعار التي تصف تاريخ وشجاعة البشتون، أما التراث الشفوي البشتوني فقد نجا من الهلاك وهناك القصص والروايات الشعبية التي توقر الأمهات وربات البيوت ويرويها الأجداد والآباء للأحفاد والأبناء، وهناك رياضات تقليدية لدى البشتون مثل رمي الرماح، كما يمارس معظم البشتون المصارعة «بهلواني» التي تقام مباريات لها في ميادين مفتوحة.‏

تتمثل التعابير الفنية للبشتون في مختلف أنواع الفنون التقليدية مثل المصارعة بالسيوف وأعمال بطولية أخرى، كما تعتبر رقصة «أتن» من أشهر الرقصات التقليدية حيث إنها تحولت إلى رقص وطني أفغاني وهناك ترابط واضح بين الغناء البشتوني التقليدي والموسيقا الأفغانية الكلاسيكية وتشمل الأناشيد الغنائية والصوفية وتعزف بآلات موسيقية تشمل الطبول، القيثارة والناي.‏

وبالنسبة للنساء فإن حياة المرأة البشتونية تختلف بدءاً من القرى والبلديات البعيدة إلى الولايات الكبرى، فمعظم النساء أميات لكن هناك فئة صغيرة تلقت التعليم وتعمل.‏

بدأت عملية الإصلاحات المعاصرة لحقوق النساء البشتون في القرن العشرين ولمع نجم الملكة الأفغانية ثريا ترزي والتي أيدت إعطاء المرأة الأفغانية حقوقها الاقتصادية والسياسية، وتبذل نساء البشتون جهوداً كبيرة لكسب المزيد من الحقوق ونال عدد من النساء تعليمهن العالي وقد وصلت سيدات بشتونيات كثيرات إلى مناصب سياسية رفيعة في كل من أفغانستان وباكستان في الآونة الأخيرة.‏

***‏

إسلام آباد ...و قنبلة اللاجئين‏

عقب سقوط نظام طالبان في أفغانستان جراء الغزو الأميركي، لجأ مقاتلو الحركة إلى المناطق القبلية الحدودية داخل باكستان وخاصة في الإقليم الشمالي الغربي الحدودي الذي يقطنه البشتون الذين يمثلون 10٪ من سكان باكستان البالغ 170 مليون نسمة، وقد قامت حركة طالبان الباكستانية بهجوم على مالاكاند واستولت على بونير ودير السفلى على بعد 100 كيلو متر من العاصمة إسلام آباد رغم الاتفاقية الموقعة بينها وبين الحكومة المركزية الباكستانية بشأن تطبيق الشريعة في كل اقليم مالاكاند، ورغم انسحابهم المفاجئ بعد أقل من يومين فإن حملة عسكرية ضخمة بدأت بمطاردتهم، وتقول تقارير صحفية أميركية إن هذه الحملة تضاهي حجم القدرات العسكرية للجيش الباكستاني لوجستياً وتكتيكياً، وبالتالي فإن قراراً اتخذ في واشنطن لشن هجمات على وادي سوات تجاوز مستوى الطائرات من دون طيار التي تغير باستمرار على مناطق القبائل انطلاقاً من القواعد الأميركية في أفغانستان.‏

وحين دخل الطالبانيون بونير ودير السفلى تابعتهم كاميرات الصحفيين وهم يتحركون بوجوه مبتسمة وعيون تبرق لعدسات المصورين، وأكد هؤلاء انذاك أنهم لم ينتهكوا اتفاق السلام لأنه يتعلق بوقف النار في معقلهم وادي سوات فقط.‏

وحول مستقبل طالبان فإنها شكلت في أفغانستان قوة سياسية، أما في باكستان فطالبان قاعدة ثقافية ودينية قوية تعتبر أشد تجذراً في البلاد، ويعتقد أن وجودها يسبق نظيره في أفغانستان ويرتبط مباشرة بمخيمات اللاجئين الأفغان الذين يقدر عددهم بثلاثة ملايين في الأراضي الباكستانية وفي المدارس الدينية المنتشرة في منطقة القبائل وعلى الحدود بين البلدين.‏

ويؤكد عبد القادر سنو المحاضر في جامعة انديانا الأميركية أن طالبان تريد توسيع نفوذها في مناطق جديدة لكنها تسعى لتجنب معركة كاملة مع الجيش الباكستاني وهذا يفسر انسحابها علماً أنهم لم ينسحبوا فعلاً بل سحبوا بضعة مقاتلين، ويعتقد سنو أن الحركة قوية بشكل كاف لطرح الجيش الباكستاني أرضاً في معركة طويلة للغاية لا تريدها على أي حال مضيفاً ربما يكون الطالبانيون قادرين على السيطرة على مناطق كثيرة لكن ليس على البلاد بأسرها، ثمة عدم استقرار سيلازم باكستان طويلاً، أما الصحفية ديالا شحادة فترى أن باكستان تتحول بشكل غير رسمي إلى الجبهة الأمامية للحرب على الإرهاب أو عمليات الطوارىء خلف البحار بحسب قائمة المصطلحات الأوبامية الجديدة.‏

مضيفة قبل وصولها إلى الحكم ثم إطاحتها كانت طالبان الأفغانية تحمل قضية توءمها الباكستاني عينها «تطبيق الشريعة» بتفسير محلي ضيق، وهي الآن تريد طرد المحتل.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية