تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


متطفلـون علـى الشـعر والثقافــة..

ثقافة
الثلاثاء 17-6-2014
مصطفى علوش

يعيش الطفيليون بيننا، مرة يتطفلون على مواردنا المتواضعة فيسرقون منها ما استطاعوا إليه سبيلا، ومرة على ثقافتنا، وتطفلهم على الثقافة له شكل الاستماع فقط، فإذا سمعوا أحداً ما يتحدث عن رواية عرفوا اسمها، فيبدؤون بترداد ما سمعوه للتو عن أسماء أبطالها أو حدثها، والغريب أن بعضهم يتماهى مع ما سمعه إلى درجة أنه يتبنى الرأي الذي سمعه عن تلك الرواية، يعني لا يكفي أنه لم يسمع سوى بعنوان الرواية إنما يصير له رأي بها أيضاً وهنا تتحول المأساة إلى كوميديا!

ومن سمات هؤلاء «الطفيليون» أنهم لا يعرفون جملة (لم أقرأ هذا الكتاب)، أو (لم احضر هذه المسرحية) إنما على العكس تماماً كل عنوان يقال أمامهم قرؤوه ومع القراءة يهزون برأسهم دليلاً لتعرف أنهم يعرفون كل كتاب.‏‏

وأذكر أن أحد هؤلاء وأثناء دراسته الجامعية، كانت عادة سرقة الكتب دارجة تلك الأيام، حتى إن أحدهم سرق كتاب لحسين مروة وعدد صفحاته بالآلاف على دفعتين، حيث قسّمه إلى قسمين، ففي اليوم الأول سرق نصف الكتاب وفي اليوم التالي سرق النصف التالي.‏‏

الطفيلي البائس تحرك الطمع بداخله، وانتظر معرضاً للكتب أقيم في الجامعة وبدأ يذهب في كل يوم عدة مرات، وفي تلك الأيام تمكن من سرقة مكتبة كاملة، ولكنه حتى الآن لم يقرأ منها شيئاً.‏‏

من هنا اقترح في أحد المرات صديقي الشاعر منذر شيحاوي أن تكون هناك شرطة فكرية تحاسب المتطفلين على الشعر،فأنشد:‏‏

لو كان للأشعار قاض وشرطة‏‏

ومحكمة تتلى عليها القصائد‏‏

لطارت من الأسواق كلّ مجلة‏‏

تشجع زيفاً واستقالت جرائد‏‏

وغصّت سجون بالدعيّين مثلما‏‏

تغصّ بصدر الثعلبان المكائد.‏‏

وبدوري أرجو أن توسع صلاحيات تلك الشرطة صلاحياتها لتشمل الطفيليين في كل مجالات الفكر والثقافة.‏‏

والمصيبة أنّ الطفيلي لا يعرف أنه طفيلي، فإذا جربت أن تكتب محاضرة عن الطفيليين وتدور فيها بالمراكز الثقافية، ستجد الطفيليين جزءاً من الجمهور يتحدثون ويناقشون وكأنك تتحدث عن الطفيليين في عالم القمر والزهرة لا عنهم.‏‏

وهناك نوع من هؤلاء راكم خبرة في قراءة العناوين فقط، فإذا عرف أن هناك معرضاً للكتاب يذهب ليقرأ عناوين الكتب، فتراه يعرف فقط مجموعة كبيرة من العناوين، وإذا تواجد بالصدفة في جلسة اجتماعية فيها عدد من القراء والكتاب، نسمعه يتحدث عن الشكّ عند ديكارت مع أنه لايعرف سوى الشكّ بالعالم، ونسمعه يتحدث عن أخلاق كانط، وكل أخلاقه في الحياة هي التطفل، وإذا سمع احدهم يحكي عن الشعر السوري والعربي تذكر ما درسه في المدارس عن نازك الملائكة وعبد المعين الملوحي واسم المتنبي، وفي الواقع لايعرف سوى الأسماء والعناوين.‏‏

في النقد التشكيلي يوجد طفيليون، في النقد السينمائي يوجد منهم، في النقد الأدبي عددهم كبير مع أن بعضهم يملك شهادات أدبية وثقافية، في النقد الدرامي يوجد طفيليون نناديهم نقاداً يكتبون النقد من اللحظة التي يكون فيها المسلسل فكرة في رأس الكاتب.‏‏

وإذا وسّعنا دائرة الرؤيا هناك بين الحلاقين «طفيليون» على المهنة، والدليل موجود في شعر رأسنا وقصّاته، وعند النجارين طفيلي يفصّل لك نافذة إذا طلبت منه باباً، وعند الخياطين من هذا الصنف، وعند القصابين وفي النقابات لا يخلو الأمر من طفيلي يبيعك لحم الغنم على انه لحم عصفور!‏‏

وإلى أن يتغير حال كوكب الأرض وتتحسن مناخاته الإبداعية لا مجال عندنا هنا سوى الدعاء عليهم بالانقراض السريع، لنرتاح منهم ومن أمثالهم ونفتح عيوننا على المبدعين في كل مجالات M3alouche@hotmail.com"‏‏

M3alouche@hotmail.com‏">حياتنا.‏

M3alouche@hotmail.com"‏‏

M3alouche@hotmail.com‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية