|
ثقافة ووصل عددها الى الرقم 13 الى جانب معارضه المشتركة، وهذا دليل واضح على استمرارية في البحث، وغزارة في الانتاج والعرض.
ولقد تضمن 61 لوحة متنوعة في قياساتها وتقنياتها (تغلب عليها طريقة الرسم بألوان الاكريليك على سطوح متنوعة الخامات والحساسيات) يدخل فيها أحياناً الرمل البحري، وفيها يتابع تطوير مساره الاسلوبي الخاص، القائم على موضوعات البحر والمراكب والمرأة وأحواض الورود والمشاهد الطبيعية والصامتة. ويبدو محمد هدلا، في هذه المرحلة، مرتاحاً في استخدام مادة الإكريليك، بعد أن أمضى سنوات طويلة في تقديم اللوحة الزيتية، بل ويبدو أكثر تحكماً بإبراز تداخلات هذه المادة المائية، وابراز إضاءاتها وحركاتها، المأخوذة بنظافة اللون وأناقته، وبروحية الإبقاء على التأليف العفوي والعقلاني بآن واحد. ومنذ البداية شكلت الرموز البحرية، التي وجدها منذ طفولته في مدينته طرطوس القديمة، المطلة على مدى وأفق البحر، وشكلت لديه أكثر من حافز للغوص في جمالية وشاعرية ألوان البحر والجدران الرملية القديمة، مما سهل في ما بعد، في امكانية اكتشاف جوهر العلاقة السحرية، مع المناخ اللوني المتوسطي، الذي تداخل في نسيج ألوانه وخطوطه، التي تختصر اشارات الاشكال الواقعية، وتمنح الموضوع ابعاداً جمالية معاصرة وجديدة. ولقد ترك احساسه العميق والمزمن برموز مدينته البحرية، تأثيراً خاصاً على تحولاته الفنية، فقد أبرز هذا الاحساس الخاص باللون، علاقه حميمية بالمناخ ورطوبة وشفافية الوان البحر والسماء، فالألوان في طرطوس تبدو مغايرة تماما، لما تشاهده العين في أماكن أخرى، وهي تتغير مع تموجات ألوان البحر، من ساعة الى ساعة.
وهذا يعيدنا الى منطلقات الاتجاه الانطباعي، الذي وضحه «كلود مونيه» في بيانه التشكيلي «قانون التباين اللحظي» لكن «كلود مونيه» لم يحدثنا عن خصوصيات اللون، الذي يميز كل منطقة، وهو ما اسميته مراراً في كتاباتي «بالمناخ اللوني المحلي» ان الالوان في المشهد الانطباعي، تتبدل وتتغير ضمن الاطار اللوني الخاص بالمكان الجغرافي، وعلى الرغم من ان أعمال محمد هدلا، لاتدرج في اطار الفن الانطباعي، فهو يتأثر بتبدلات اللون والضوء، في الفصول الاربعة، حتى في أقصى حالات الاختصار التعبيري التكويني والتلويني. ولقد كان محمد هدلا وطوال اكثر من 40 عاما يبحث عن علاقة حيوية، مع التغييرات اللونية، التي بقيت مترسخة في ذاكرته كألوان شعرية تزيد من احساسه، بركائز حركة المناخ اللوني. ومنذ بداياته، لم يكن محمد هدلا يرغب ان يصنف كفنان واقعي، كانت الواقعية مجرد تمارين في دفتر يومياته، او مشاهداته، فهي المدخل للصياغة التعبيرية التي تغيب عليها، الاشارات التسجيلية والانشائية، وتبقي على حرارة وخصوصية اللمسة الخطية واللونية، التي ما هي الا صدى للايقاع اللوني، الذي يعايشه ويستعيده في لوحاته كواقع محسوس لا كواقع منظور. وعلى الرغم من تنقله بين التقنيات المختلفة، بقيت أحلام مدينة طرطوس القديمة مترسخة في ذاكرته، وظاهرة في لوحاته، حيث استعاد أجواء العمارة والاوابد، ورسمها من الداخل والخارج معاً، عبر التركيز على المناخ اللوني المتوسطي، الذي كان ولايزال يعطي لطرطوس رونقها السحري المتجدد، فهو ينتمي إلى مدينة تاريخية عريقة، موغلة في القدم، ويكفي في هذا الصدد الإشارة إلى أنه كان ومنذ أكثر من أربعين عاماً، يعمل لكشف أسرار العمارة القديمة في طرطوس، ولهذا أصبح أحد أعضاء لجنة تجميل مدينة طرطوس القديمة. وتجربته غنية جداً، والى جانب معارضه الفنية الدائمة والمتواصلة، لم ينقطع عن المشاركة في المعارض الرسمية والخاصة، داخل سورية وخارجها منذ مطلع السبعينات، وإلى جانب تعلقه بذكريات طفولته في أحياء طرطوس القديمة، قدم مجموعة من لوحاته الأحدث القادمة من تأملاته المتواصلة للعناصر البحرية والزهور والمرأة. كما عرض مجموعة لوحات حديثة، أكدت حريته وقدرة استيعابه لجماليات اللوحة الأكثر حداثة ومعاصرة، والبعيدة عن جماليات الذوق العام، والغير خاضعة لتوجهات السوق الاستهلاكي التجاري. ورغم اقترابه أحياناً من عوالم الرسم الواقعي، كان ولا يزال يعمل لإظهار خصوصيات بحثه التشكيلي، وكان يضفي على لوحاته المزيد من الشاعرية البصرية والغنائية اللونية، الناتجة أحياناً عن استخدام اللمسات العفوية، وذلك لإخراج اللوحة من منزلقات الوقوع في الصياغة التسجيلية السهلة، المتواجدة بكثرة في المعارض الاستهلاكية. وهو يمتلك القدرة على الاختزال في تكاوينه التعبيرية والرمزية، ضمن معطيات المناخية المشرقية، مع إعطاء أهمية للجوانب التشكيلية الحدبثة، فنجد جماليات اللون السائل من أعلى اللوحة الى اسفلها، يطل في بعض لوحاته، التي يعمل فيها أيضاً على تخطي صفاء المساحة، وهذا يؤدي الى كسر أناقة اللمسة، ويبتعد بها عن الإبهار الصالوني والتزييني، ويساعد في اكتشاف حساسيات بصرية مختلفة ومتفاوتة. facebook.com/adib.makhzoum |
|