تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


إقالة ماكريستال.. والفشل المستمر في أفغانستان

شؤون سياسية
الأثنين 28-6-2010م
د. جهاد طاهر بكفلوني

لم يكن الجنرال ( ستانلي ماكريستال) قائد القوات الحليفة في أفغانستان يعلم أنه كان يقامر بحياته العسكرية مقامرة بالغة الخطورة عندما أخرج كنانة النقد وأطلق منها عدداً من السهام التي توجّهت إلى أركان الإدارة الأميركية، واختارت المكان الصحيح لتسقط فيه،

فآلمتهم إيلاماً شديداً، ولم يجدوا طريقة لتخفيف هذا الألم إلا بتأليب الرئيس الأميركي (باراك أوباما) على الجنرال الذي سوّلت له نفسه التفوه بكلمة حق رآها الحانقون عليه باطلاً، وأمام تحريض المنزعجين من تلك الكلمة بادر (أوباما) إلى دعوة كبار مستشاريه السياسيين والعسكريين ليناقش معهم سبل (تأديب) الجنرال الذي عقر الناقة في نظرهم وكسر إشارات المرور كلها، الخضراء منها والحمراء ثم استقر رأي المجتمعين على إصدار الأمر بإنزال الرتب والنياشين العسكرية التي كان (ماكريستال) يحملها على كتفيه في أفغانستان لتنقل إلى جنرال آخر هو ديفيد بترايوس الذي تلقى الأوامر لينقل مكان عمله من العراق إلى أفغانستان.‏

ولاشك أن نقل بترايوس إلى أفغانستان ليس تكريما له، لأنه كان إلى عهد قريب موضع النقد من قبل ساسة البيت الأبيض، وطالما واجه سيلاً من النقد المشوب بالغضب على أدائه الذي لم يعجب السادة في البيت الأبيض.‏

إن نقله يعكس حيرة الإدارة الأميركية في التعامل مع الملف الأفغاني الذي بات يشكل صداعاً مزمناً لهذه الإدارة يوازي الصداع الذي تعاني منه جراء غرقها في الرمال المتحركة في العراق.‏

ومع أن عدداً من نواب الكونغرس الأميركي قد رحبوا بتعيين الجنرال بترايوس على رأس القوات الحليفة في أفغانستان بعد إقالة الجنرال ماكريستال إلا أن هذا الترحيب لم يمنع في الوقت ذاته عدداً آخر منهم من توجيه انتقادات جديدة إلى الإستراتيجية الأميركية في أفغانستان، تلك الإستراتيجية الضبابية التي تعتمد أسلوب الفعل وردة الفعل وتفتقر إلى التخطيط افتقاراً فاضحاً.‏

ويفترض أن تعقد جلسة الاستماع للجنرال بترايوس في مجلس الشيوخ في وقت لاحق، كما أشار إلى ذلك كارل ليفن رئيس لجنة الدفاع الذي صرح قائلا: سنحاول أن تكون المسألة سريعة، معرباً عن الأمل في تثبيت تعيينه في مجلس الشيوخ قبل أن يدخل البرلمان في العطلة البرلمانية المقبلة المتوقعة في الخامس من تموز.‏

هناك إلحاح واضح في سرعة إقرار تعيين بترايوس وهذا الإلحاح يظهر حالة التخبط التي مست الإدارة الأميركية منذ زمن بعيد وتزداد أعراضها ظهوراً في كل كلمة تصدر عن الرئيس أوباما وكل مسؤول في إدارته عندما يتحدث عن ضرورة إيجاد استراتيجية جديدة في أفغانستان، ويسمع في حديثه صدى الشكوى من عدم استتباب الرياح الأفغانية لصالح السفينة الأميركية التي تواجه أمواجاً عاتية ألقتها في دوامات عصفت بها الحيرة وهي تلتمس الوسيلة للخروج منها دون أن تلوح بارقة أمل بخروج وشيك منها.‏

ولن تجدي التفسيرات الكثيرة التي جاد بها بعض المسؤولين الأميركيين في مواراة هذه الأعراض، وإن حاولوا استخدام كلمات توحي بأن الوضع في أفغانستان مازال ضمن حدود السيطرة، فالواقع يؤكد عكس ذلك تماماً لذلك لن يلتفت أحد لما قاله السيناتور الديمقراطي جون كيري رئيس لجنة الشؤون الخارجية عندما قال في بيان: إن قرار الرئيس تعيين الجنرال بترايوس في أرض المعركة يشكل ليس استمرارية فلسفية وحسب وإنما أيضاً كفاءات دبلوماسية جرى اختبارها.‏

وحبذا لو قام السيناتور كيري بتوضيح معنى (استمرارية فلسفية) لأنه معنى يكتنفه الغموض من جهاته كلها، فالعالم الذي يشاهد حلقات مسلسل الإخفاق الأميركي المتواصل في أفغانستان يفهم من هذه العبارة استمرارية فلسفة قتل المواطنين الذين لاناقة لهم ولا جمل، فيما يجري على أرض بلادهم، يرون حمم الطائرات الحربية الأميركية تسقط على رؤوسهم لتجعلهم من سكان العالم الآخر، ثم يصدر تصريح عن مسؤول أميركي يعتذر فيه عن الخطأ غير المقصود الذي تسبب بمقتل عدد من الأبرياء.‏

ويفهم العالم هذه الفلسفة التي تدّعي تقلص قوة طالبان بأنها قائمة على الكذب لأن طالبان مازالت قادرة على تسديد ضربات موجعة إلى القوات الأميركية ومعها قوات إيساف وقد جعل ارتفاع عدد القتلى في صفوف هذه القوات الساسة والعسكريين في أستراليا مرغمين على التصريح برغبتهم في سحب القوات الاسترالية من أفغانستان.‏

كيري قال ما قاله ربما في لحظة غلب فيها الأمل على اليأس بقرب إيجاد مخرج من الكهف الأفغاني المظلم الذي جعل العيون الأميركية عاجزة عن استيعاب معنى الضوء.‏

أما النائب الجمهوري جون كورنين فقد أعرب عن ثقته في أن الجنرال بترايوس سيقود قوات بلاده نحو النصر ولم ينسَ في الوقت نفسه أن يشيد بالصفات العسكرية للجنرال ماكريستال، وكورنين هذا يحلم بنصر لا نعرف من أين سينبع وأين سيصب، شأنه شأن كثير من المسؤولين الأميركيين الحالمين بانبثاق النصر من الأرض الأفغانية بعد أن دمرت الهزائم المتلاحقة كل ما خططوا له من مشاريع النصر.‏

باختصار تغيير الأحجار على رقعة الشطرنج يعني تأخيراً لإعلان الهزيمة في أفغانستان وليس إنكاراً لها، لأن العالم كله شاهد هذه الهزيمة منذ دخول القوات الأميركية إلى أفغانستان، وتجرعها كأس الهزيمة حتى القطرة الأخيرة.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية