تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


القــــدس .. جغرافيا سياسية جديدة

شؤون سياسية
الثلاثاء 5-5-2009م
نبيل محمود السهلي

في تسابق مع الزمن تحاول إسرائيل تهويد ما تبقى من مدينة القدس ولم تكن عمليات الحفر والتجريف بالقرب من المسجد الأقصى

والكشف عن مزيد من الانفاق الإسرائيلية سوى خطوات تعزز المخططات الإسرائيلية لتهويد المدينة المحتلة ومحاصرة آمال الفلسطينيين في جعل الشطر الشرقي منه عاصمة لدولتهم الموعودة.‏

لقد تبوأ موضوع استيطان وتهويد مدينة القدس لجهة زيادة مجموع اليهود فيها مكانة الصدارة في مداولات المؤتمر الصهيوني الأول في مدينة بازل السويسرية في نهاية شهر آب من عام 1897 ميلادي، ومنذ ذلك التاريخ سعت الحركة الصهيونية والمنظمات المنبثقة عنها كل ما بوسعها لإيجاد واقع جديد في القدس في سياق سياسة سكانية صهيونية مدروسة تخدم الأهداف الأساسية للحركة الصهيونية وبخاصة إقامة الدولة اليهودية المنشودة، إضافة إلى ذلك تم تسجيل عشرات التوصيات في مؤتمرات هرتسليا السنوية وغيرها من المؤتمرات والندوات الاستراتيجية في إسرائيل، تم التأكيد من خلالها على ضرورة وضع مخططات وسياسات إسرائيلية محكمة من أجل دفع العرب المقدسيين خارج أرضهم وتهيئة الظروف لإسكان عدد كبير من المستوطنين اليهود فيها من أجل الإخلال في الميزان الديموغرافي لصالح اليهود والإطباق عليها في نهاية الأمر، ومن الناحية العملية وضعت مخططات إسرائيلية تستهدف جعل اليهود أكثرية ساحقة في القدس الشرقية المحتلة عام 1967 بحيث ستعتمد الزيادة المقترحة لليهود في المدينة على استيعاب اليهود القادمين من الخارج عبر محاولات فتح قنوات للهجرة اليهودية الكثيفة بعد تراجعها من الدول الأوروبية، فضلاً عن الإعلان عن مغريات إسرائيلية لرفع عدد الولادات للمرأة اليهودية المستوطنة في القدس، وذلك بغية ارتفاع معدلات الزيادة الطبيعية لليهود، وفي نفس الوقت ستواكب هذه الزيادة لليهود في مدينة القدس وفق المخططات الإسرائيلية سياسات إجلائية مبرمجة إزاء العرب المقدسيين لترحيلهم بصمت عنها عبر إبطال شرعية إقامتهم في مدينتهم القدس، وتبعاً لهذه الحالات فإن المصادر الإسرائيلية تقدر عدد العرب في القدس المعرضين لفقدان بطاقة الهوية العائدة لهم بنحو 70 ألف عربي، وهذا يعني ترحيلهم من مدينة القدس أو إبقائهم خارجها، واللافت للنظر أن جميع الإجراءات الإسرائيلية لترحيل عرب القدس وضعت وفق أحكام القانون الإسرائيلي الدقيق والمخططة سلفاً فصاحب الأرض، وفقاً لنسق تطور الملكية والسكان معرض في أي لحظة لسلب حقه وإقامته بينما يكفي لليهودي الآتي من دول العالم المختلفة أن يعلن نية القدوم إلى فلسطين حتى يصبح مواطناً في القدس ولا يفقدها حتى لو غاب 7 سنوات أو سبعين سنة أو حمل جنسية أخرى، على عكس العربي صاحب الأرض الذي يفرض عليه قوانين إسرائيلية جائرة لاستلاب أرضه وتهويدها بكل الوسائل، وخاصة عبر مصادرة مزيد من الأراضي في القدس وبناء المستوطنات عليها لتلف المدينة من كافة الاتجاهات وتعزلها على باقي المدن والقرى في الضفة الفلسطينية، ومن الأهمية الإشارة إلى أن جميع الحفريات وعمليات التجريف التي لم تتوقف منذ أشهر في باب المغاربة ومحيط المسجد الأقصى المبارك والأحياء العربية في المدينة المقدسة إنما تخدم الأهداف الاستراتيجية الإسرائيلية التهويدية في مدينة القدس.‏

مما تقدم لا بد من اغتنام فرصة احتفالية القدس لإعلان موقف عربي رسمي وشعبي حقيقي داعم للمقدسيين على المستوى الدبلوماسي والمادي والإعلامي لمواجهة سياسة التهويد الجارفة التي تهدد مستقبل حضارة المدينة وأهلها العرب من مسلمين ومسيحيين على حد سواء والوقت من دم والتأريخ لا يرحم.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية