|
ملحق ثقافي نجم عما دار في العالم من صراعات على مناطق النفوذ ذهب من جرائها ملايين الضحايا جوعاً ومرضاً وتقتيلاً، سواء بالتجاهل والإهمال، أو باستخدام الأسلحة المميتة. توجت بحرب عالمية ثالثة، على الرغم من أنها كانت باردة، حسب محللين غربيين وشرقيين. غير أن الصقيع الآمن لم يصل إلى الكثير من البلدان الأفريقية والآسيوية، ومنها بلادنا العربية التي كانت مسرحاً لحروب ساخنة. فالحرب لم تكن باردة إلا بين العملاقين آنذاك، اللذين استعملا فيها بكل حرارة أسلحة أيديولوجية لا تقل فاعلية عن القنابل الذرية، مع انتهاء هذه الحرب بخسارة القطب الاشتراكي، انتقلت هذه الترسانة بكامل حمولتها إلى دائرة أخرى التبست بالإرهاب والإسلام، شملت العالم كله. لم يغير جنودها الجدد انتماءاتهم، وإنما شعاراتهم وتوجهاتهم، بالاستعانة بقاموس معدّل ومتطرف، لا يخلو من الشياطين والكفرة والشر، واحتكار للملائكة والديمقراطية والخير، لتشتعل حرب غير مقدسة، وليرتد العالم دفعة واحدة إلى العصور الوسطى المظلمة. جاءت (الخفة) كرد فعل على التزمت القديم وحتى المتجدد منه في عالم الأفكار، استخدمها الأدباء كدعوة إلى المرح والطرافة والضحك والسخرية. كانت في جانبها الرئيسي والجوهري دعوة إلى التخفف من التشدد والتعصب، ومعالجة القضايا الإنسانية بروح منفتحة على المجتمع بفئاته كافة، وفي الأدب الانفتاح على العالم والواقع والخيال والآخر ... والجنس، والتعامل مع المرأة التي تحررت، على أنها المنقذة القادمة للبشرية من عالم الرجال القاسي والبغيض. فلم يعد مستهجناً أن تتربع المرأة على رأس الدولة، ليس بصورتها المسترجلة، وإنما بأنوثتها الكاملة، أو حتى بمثليتها. طبعاً كان هذا نوعاً من التجميل غير الناجح، فكونداليزا السمراء الجميلة، كما وصفت مراراً، كانت أبشع من بوش نفسه. ولم نكسب سوى انضمام المرأة إلى السلك الرجالي الانتهازي المكروه، فتقمصته بإتقان تحسد عليه. تكفل بهذا الدجل التحديثي، المؤسسات السياسية والاقتصادية الحاكمة الفعلية في الغرب، التي ابتلعت من قبل النوايا الطيبة للرجال العظماء، فحولت النساء بعد أن قطعن صلتهن بالأنوثة رقيقة القلب، إلى رجال ممسوسين بإثبات صلابتهم وبطشهم. على أن أخطر ما أصاب (الخفة) كان على يد من تبنوها وأطلقوها، مع الوقت أصبحت تعني التخفف من القضايا، كل القضايا، وإحالتها إلى استثمار رابح بتسفيهها وتسخيفها. واستعادوا من جديد ألعاب الكلام، الكثير من الكلام الذي لا يقول شيئاً، لكن فيه من التسلية والترفيه ما يشير إلى أن عصر انحطاط جديد قد بدأ. |
|