تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


الفنانون ورعاتهم..علاقـــة مزدهـــرة عبـــر العصــور

 عن اكسبريس
ثقافة
الثلاثاء17-12-2013
ترجمة: دلال ابراهيم

منذ العصور القديمة بنى الفنانون ورعاتهم علاقة منفعة متبادلة بينهم. فالفنانون من جانبهم، لا يمكنهم العمل ونشر فنهم وعرضة دون الآخر. هذا الآخر، من طرفه يقيّم تعهده ويجني الشهرة بفضل هذه العلاقة. حتى أصبح لدى الشركات والمؤسسات الكبرى رعاة، وعلى يد هؤلاء برزت أسماء فنانين كبار عبر العصور.

وفي عصرنا الحالي لا يمكن أن يمر أي شكل من أشكال الفن سواء في الموسيقا أو الرسم أو الرقص أو المسرح أو التصوير أو العمارة أو النحت دون راع. ومولد ما يمكن أن نعتبرها يد المساعدة في أعمال الابداع وانتشار الفنون والآداب هي روما القديمة. وكانت تشهد حينها عصر نهضتها الذهبي، ولا سيما في إيطاليا، عندما كان أثرياء الملوك والأمراء والأميرات يطلبون ويمولون إبداع أعمال فنية تزين قصورهم أو تزين صروحاً دينية. وبفضل هؤلاء الرعاة، أو من كان يطلق عليهم اسم (فاعلي الخير) - ميديسيس - عرفنا مايكل انجلو وبفضل فرانسوا الأول استقر ليوناردو دافنشي في امبواز وبفضل النبلاء المانحين في الفلامند (مقاطعة بلجيكية) رسم ميملينغ ومعاصروه اللوحات الجميلة لمادونا.‏

ومن ثم تطور مفهوم الراعي ليأخذ شكل شركات ترويج والآن انضوت الرعاية تحت جناح مؤسسات خاصة في هذا الشأن. إنه دعم مالي، بشري أو مادي (دون مقابل) تقول القواميس، أي ما يعادل الهبة. وضمن هذا السياق يعرف المسؤولون عن القصيدة المتناسقة، وهي مجموعة باروك تدعمها شركة جنرال مسألة الرعاية كالتالي: «هي ليست عملية تمويل، بل إنها علاقة إنسانية حقيقية، تبادل في المشاريع، إنها روح العائلة، ننمو ونكبر معاً.»‏

وقد طرأ على مفهوم رعاية الفنون والآداب في القرن الحالي تطوراً لم يشهده منذ عصر النهضة، ولكنه حافظ على هدفه الرئيسي وهو: دعم الفنانين وتمكينهم من العمل والتعبير عن فنهم وجعلهم ذوي شهرة بشكل خاص. ما هي اللوحات التي لم تخرج من مرسمها أو السيمفونية التي لم يتم سماعها ؟ وهل كنا سنتعرف على أعمال كانديسكي أو ماليفتش أو ماكس ارنست دون فضل بيجي غوغنهيم، على الرغم من عصاميتهم ؟ وهل كان بوسع جاكسون بولوك، الذي تعتبر لوحاته الآن من بين اللوحات الأغلى في العالم أن يخترق الولايات المتحدة حيث نأى النقاد بأنفسهم عنه قبل أن تفرضه بيجي غوغنهيم ؟‏

ولقد وضع أفراد وشركات استثماراتهم في حقل الفن والمؤسسات الثقافية انطلاقاً من مصمم الأزياء بيير كاردان وإيف سان لوران ودومينيك بيرين (مؤسسة كارتييه) ومن شركة IBM وفيليبس أو المصارف الدولية الكبرى. على غرار إضاءة برج ايفل وترميم لوحات متحف اللوفر وشراء تحف وأعمال فنية في المزادات، أي تتيح الذائقة الفنية لدى البعض المتحالفة مع وسائط الآخرين الفرصة للجميع لأن يتعرفوا على المشاعر الجمالية. ولا تعتبر الشركات والمؤسسات هي آخر المساهمين في هذا الحراك الثقافي والفني. حيث بلغت الهبات التي حصل عليها هذا الحراك في فرنسا خلال عام 2013 ما مجموعه 3,4 مليار يورو، منهم 1,36 مليار يورو مصدرها المؤسسات والشركات، وثلاث من أصل أربع من تلك المؤسسات والشركات توظف لديها أقل من مائة موظف.‏

هذا وقد أعطت الشبكة العنكبوتية دفعاً جديداً إلى الرعاة من خلال وضع أنظمة وبرامج تجمع بين الفنانين والرعاة أو تصميم مواقع للتمويل التشاركي (crowdfunding). وبفضل دعم المئات أو بالأحرى الآلاف من (صغار) الرعاة عبر الانترنيت تمكن فنان من انتاج اسطوانة موسيقية وغنائية له أو استطاع تأمين الأموال اللازمة لمعرضه. وبعد هذا من بوسعه القول إن العالم الرقمي قد فرض عزلة على الأفراد ؟‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية