تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


عوامل مفاقمة الأزمة في سورية

شؤون سياسية
الثلاثاء17-12-2013
 حسن حسن

دائماً ماتترافق إعادة المؤتمر الدولي بشأن الأزمة في سورية إلى طاولة الدبلوماسية مع محاولات لإجهاضه بطريقة أو بأخرى من دول الغرب وأتباعها.

لكن ثمة العديد من التساؤلات المهمة منها: لماذا عادت الولايات المتحدة إلى بيان جنيف بعد مضي زهاء عام تقريباً على صدوره؟ لماذا تمنعت عن الالتزام به طوال الفترة الماضية وعمدت إلى المماطلة واللف والدوران؟‏

لماذا هذه العودة السريعة؟‏

في اطار الإجابة عن مثل هذه التساؤلات يمكن القول إن هذه العودة الأميركية إلى بيان جنيف لم تحصل تلقائياً إطلاقاً، ولم تأت نتيجة رشد سياسي عاقل ناجم عن إدراك عميق ومسؤول لخطورة الفوضى التي تسود أكثر من دولة في المنطقة وتهددها بأسرها، ولاسيما تصاعد القتال في سورية بدعم إقليمي وعربي ودولي لمجموعات مسلحة ومنفلته من كل عقال، وتكفيرية ترتكب جرائم يندى لها جبين البشرية، فضلاً عن أعمال التدمير الهمجي والسرقات وهدم البنى السورية المختلفة التي تقوم بها. ولا حتى نتيجة نجاح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بإقناع الرئيس الأميركي أوباما بالعودة إلى منطلقات وروح تفاهم جنيف والبناء عليها لتسوية الأزمة سلمياً.. وما إلى هنالك.‏

لقد حصل ذلك نتيجة لتحول ميزان القوى الذي فرضته سورية على الأرض منذ أشهر بفضل تماسك الجيش وبطولاته، وبفضل تلاحم الشعب مع هذا الجيش، ورغم أن هذا التحول تطلب الكثير الكثير من التضحيات والتحمل والمعاناة الحقيقية في ظروف العقوبات المفروضة على سورية من قبل الأميركيين والأوروبيين وحلفائهم الإقليميين والعرب.‏

لقد تبين للولايات المتحدة خطأ وعقم الحسابات والرهانات التي اعتمدت عليها منذ ما يقارب الثلاثة أعوام، عندما كانت على يقين تام أن هذا الموقع السوري سيسقط كما سقط غيره خلال أسابيع أو أشهر، خاصة أن حلفاءها الإقليميين والعرب المشاركين لها في تدمير بلاد الشام وسورية بالدرجة الأولى، صوروا لها أن مسألة إسقاط الدولة في سورية مسألة سهلة.‏

عطلت الولايات المتحدة أو بالأحرى عرقلت انعقاد / جنيف2/ بحجة عدم وجود توازن عسكري على الأرض بين الجيش السوري والمجموعات الإرهابية المسلحة التي تطلق عليها« اسم المعارضة» بما في ذلك معارضة الفنادق في الخارج التي أطلقوا عليها اسم/ ائتلاف الدوحة/.. ومن أجل ايجاد مثل هذا التوازن ، راحت تغدق الأسلحة من جديد على المجموعات المسلحة بتمويل خليجي، وهذه المرة سعودي بوجه خاص، فقد ذكرت بعض وسائل الإعلام الغربية أن السعودية قدمت لهذه المجموعات أسلحة حتى الآن بقيمة ثلاثة مليارات دولار، وبالتالي راحت هذه المجموعات تصعد من هجماتها وجرائمها، وتفتح جبهات قتال جديدة أخرى ضد الجيش السوري والقوى الأمنية وقوات الدفاع الوطني.‏

ولكن، هل استطاع هذا الكم الهائل من التسليح أن يغير شيئاً على أرض الميدان العسكري، بالتأكيد الجواب لا ، بل إن الجيش السوري يحقق نجاحات جديدة، ويلحق بالمجموعات المسلحة خسائر فادحة بالأرواح والسلاح وأدوات الإجرام التي يستخدمها ضد الشعب السوري وجيشه الباسل.‏

وعليه ، نستطيع القول إن الولايات المتحدة تريد أن تحقق / توازن أذى/ وليس /توازن قوى/ في الداخل السوري كما تدعي ، وكلما طال أمد المعارك تضاعف هذا الأذى وازداد، وبالتالي فهي أي الولايات المتحدة لاتخسر شيئاً، فهي تضعف الجيش السوري، وتستنزف الاقتصاد السوري، وهذا ما يخدم ربيبتها« إسرائيل» كما أنها تتخلص من بعض مقاتلي / القاعدة/ و/ جبهة النصرة/ وغيرهما من المنظمات المتطرفة الذين ربما لو ظلوا أحياء لارتدوا على أميركا وأوروبا لينفذوا عمليات إرهابية فيها ، بمعنى آخر، أميركا، من خلال إدامة القتال في سورية تضرب أكثر من عصفور بحجر واحد.‏

والجديد بالذكر أن هذا الإدراك عند الأميركيين بأن الحسم العسكري للأزمة في سورية مستحيل ليس جديداً ، بل يعود إلى نهايات العام 2011 وهو الذي شكل أساس التوافق الأميركي - الروسي على بيان جنيف الذي عطلته أوهام طارئة كان للأوروبيين - وللفرنسيين والأتراك خصوصاً- دور في الترويج لها واشاعتها ، وبالتالي تعطيل صيغة جنيف من خلال ما سموه« أصدقاء سوريه» التي عقدت المسألة أكثر فأكثر. ثم على ضوء ذلك تجدد هذا الإدراك، ليفضي إلى الاتفاق على عقد / جنيف2/ إن تأجيل عقد مؤتمر / جنيف2/ لمرتين أو أكثر، بدا فعلياً مجافياً لمنطق الإدراك الذي توصلت إليه ، وعاملاً من عوامل مفاقمة الأزمة المتصاعدة في سورية، وذلك من حيث تجريب الخيار العسكري من جديد، ومنحه فرصة جديدة تحت ستار أن الحل السياسي لم ينضج بعد، وما يشجع على فرضية الحسم العسكري، الأمر الذي يضطر السلطات السورية إلى الرد والدفاع عن دولتها ومواطنيها.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية