|
مجتمع
وله لأنه يعتقد أن هنالك ماهو أهم من بقائه على الحياة أو لأن لامعنى لحياته، بهذه الثنائية المتضادة بدأ الدكتور عماد فوزي شعيبي محاضرته في جامعة دمشق- كلية الآداب- قسم الفلسفة، وأوضح أن مصطلح تعشق الموت يأتي من مصطلح تعشق الموتى وهو مصطلح معروف في علم النفس بالنيكروفيليا ويبدو أن إيريك فروم قد استخدم هذا المصطلح بالمعنى الموسع للكلمة، فهو ذلك المرض الذي يجعل من الشخص يمارس فعل الجنس مع الموتى وهو فعل قبيح بالمعنى الإنساني والأخلاقي والحضاري ومرض نفسي، فتعشق الموتى «نيكروفيليا» هو هوس يدفع البعض إلى مطالعة الموتى أو الارتباط بفعل هو من قبيل الحياة من خلال الموت أو الموتى، فالهدف هناهو الوصول للمتعة من خلال الموت وكأن الموتى هم الطريق إلى متعة الحياة، إمالعدم توافر ذلك في الحياة نفسها لدى ذلك المريض، وإما لأن هذا الحد من المتعة (الحياتية) لايصل إليها ذاك المريض، إلا عبر الموت، فالأمران بهذه الحالة مرتبطان، أي حب الحياة وتعشق الموت وكأننا هنا أمام تعشق للحياة بصورتها السلبية. فبدل الذهاب إلى الحياة مباشرة نرى المريض يأخذ تلك المتعة من خلال الموت وعبر الموتى، وكأنني هنا أمام ثنائية تربط حب الحياة بالموت مباشرة. الشح والندرة وعن تعشق الموت عبر عقلية الشح والندرة بيّن المحاضر أن حب الحياة الصرف في بعده الأمثل لايتأتى إلا مع عقل الوفرة، بينما عقل الشح هو الذي يدفع بصورة أو بأخرى نحو تهيئة الأرضية باتجاه تعشق الموت باعتباره الصورة السلبية، لعشق الحياة واقعه أنه بات منزوياً أو بعيداً غائراً، فمجتمعات الندرةأو الشح التي يكون فيها عجز في الموارد المتاحة تعكس عقلية للشح تتميز بأنها عقلية إغلاق، فهي تغلق على كل من هو في محيطها فينشأ فيها البشر يكرهون بعضهم البعض ذلك أن في الندرة يغدو إلزاماً الاقتتال على الندرة في الموارد كجزء من الطبيعة المتلائمة مع حالة لايوجد فيها الحد الأدنى من الحقوق إلا باعتبارها «امتيازات» ولأنها أي حالة الندرة وعقل الشح الذي يرافقها شاذان إلى هذا الحد، حيث إن الوصول إلى الحقوق يصبح امتيازاً فإن الاقتتال من أجل الوصول إلى الحد الأدنى يغدو بمثابة صراع البقاء، هنا تبدأ مرحلة النيكروفيليا بالتشكل فأنا إن لم أحصل على هذا الامتياز لايكون لي وجود، ولهذا فإن من واجبي «أن انهيك» لكي أحصل الفرصة في أن استمر، وهذا مانراه في الاقتتال على المناصب حيث المنصب حياة ومال وفي التمسك بهذا الموقع أو ذاك أضمن استمرار الحياة، ذلك أن لاحياة إلا عبر هذا في مجتمعات الندرة والشح. وأضاف المحاضر أنه من خلال الندرة تتشكل آلية مزدوجة فمن ناحية لكي أحصل على الحد الأدنى من مقومات الحياة لابد من الاقتتال ولو بأشكال بدائية كتلك التي نعرفها في مؤسسات يكيد موظفوها بعضهم لبعض، وهنا لاتتحقق «لذة الحياة» إلا إنهاء الآخر وبالحد الأدنى تقزيمه الصحيح أن التاريخ البشري بأسره كما يقول سارتر هو تاريخ العجز في الموارد وتاريخ النضال المرير ضد هذا العجز حيث أن البشرلم يتح لهم من الموارد في أي مرحلة من مراحل التاريخ مايكفي لإشباع سائر الحاجات. فالندرة وفقاً لسارتر هي مايضفي المعقولية على العلاقات البشرية وهي المدخل إلى فهم سارتر الأبنية الاجتماعية التي أقامها البشر طيلة حياتهم على الأرض، وهي مايطلق عليه البعض مفهوم المصلحة، الندرة توحد البشر ضدها وتفرقهم في نفس الوقت، توحدهم للنضال ضد العجز في الوصول إلى الموارد، وتفرقهم، لأن كل واحد منهم يعلم أن وجود الآخرين هو الحائل مابينه وبين أن ينعم بوفره سواء بالحد الأدنى أو بالحد الأعلى، وهكذا فالصراع على الندرة هو محرك البشر وتجاوز الندرة يدفع نحو حب الحياة فالوقوع في الندرة والشح ينمط عقلاً جمعياً يعتمد الندرة بل ويحض عليها، هو عقل منقوص لايستطيع بحال من الأحوال أن يفتح لنفسه وللآخرين يحاول قدرجهده إنهاء الآخر كي يحيا الفرد، وهذه ليست محض فردية تكتنف «العقل الذكري» إنما هي عقلية تغدوجمعية هدفها إنهاء الآخر. والمفارقة في عقلية الندرة والشح أن كل واحد يعرف أنه لتجاوز تلك الندرة لابد من تضافر الآخرين معه وبنفس الوقت يدرك أن وجود الآخرين هو الذي خلق الندرة، وهو في نفس الوقت السبيل إلى مواجهتها بالتالي إن تحتاج الآخر لتجاوز الندرة، وعقل الندرة يدفعك نحو إلغائه هي مايقود إلى تعشق الموت للآخر أو الموت من أجل مايتجاوز الندرة. |
|