|
شؤون سياسية وفي تقديمه لهذه الرؤية روى ناحوم حادثة نقلها له الكاتب اليهودي الأميركي غوردس مفادها أنه ذهب مرة إلى الطبيب وسأله ماذا تعمل هذه الأيام؟ فأجاب: أكتب عن مستقبل إسرائيل، حينها ضحك الطبيب وقال افهم أنت تكتب إذاً قصة قصيرة الكلام هذا نشر بالتزامن مع عدد من التحليلات كان أقساها ما صدر عن وكالة الاستخابرات الأميركية CIA أن إسرائيل ستنهار حتماً خلال 20 عاماً المقبلة ولا مفر من ذلك، مشيرة إلى 600 ألف مستوطن إسرائيلي يستعدون للعودة إلى أوطانهم في روسيا وأوروبا الشرقية والغرب وأن أكثر من مليون وخمسمئة ألف مستوطن إسرائيلي سيتوجهون إلى أميركا خلال الأعوام الـ 15 المقبلة. وأن إسرائيل ستواجه نفس المصير الذي لاقاه نظام الفصل العنصري بجنوب إفريقيا ألا وهو الزوال المحتوم. وفي قراءة تحليلية سريعة لأهم التحديات التي تواجه إسرائيل حالياً والتي تدعم النظريات الصادرة سواء عن مراكز بحثية أميركية إسرائيلية أم غيرها يمكن استعراض التالي: 1- الفكرة الأساسية التي قامت عليها إسرائيل حسب فرضيات حكماء صهيون وما صدر عن مؤتمراتهم التأسيسية منذ بداية تشكل الكيان السياسي هي «الأرض من دون شعب لشعب بلا أرض». بمعنى إنكار وجود الشعب الفلسطيني أصلاً وربط الكيان الجغرافي المغتصب بالصهاينة وحقهم التاريخي والديني فيه، وهذه الفرضية لم تبصر النور يوماً حيث الشعب الفلسطيني كان ولا يزال في أرضه رغم كل محاولات الإبادة الجماعية وجرائم الحرب والتدمير الشامل بل على العكس، إن الشعب تجذر أكثر والزيادة السكانية الحالية أصبحت خطراً حقيقياً على سكان إسرائيل ونظامها السياسي والاقتصادي والاجتماعي ورغم كل التدمير والقتل بقي في أرضه ولم يخرج وفضل الموت واقفاً عليها وهذا التحدي الكبير الذي يبشر بقيامة جديدة لشعب اغتصبت أرضه وحقوقه مقابل زوال لمعتد ظلم ونكل وقهر وما عليه سوى تلقي شرور فعلته. 2- رغم كل محاولات الصهر للمجتمع الصهيوني في منظومة واحدة موحدة القومية منذ بن جوريون إلى الآن والمساعي الحثيثة لخلق حالة ارتباط بين اليهودي القادم من أوروبا أو أميركا أو غيرها مع وطنه الموعود فلسطين فإن النتائج تشير إلى فشل هذه المنظومة، وأمام أي مشاهد عنف أو اشتباكات نجد المهاجرين اليهود حزموا حقائبهم وعادوا إلى حيث أتوا وخاصة بعد ما شاهدناه في حرب تموز 2006 وحرب غزة 2006 وما ينشر حالياً عن عودة مئات الآلاف إلى روسيا وبلدان أوروبا الشرقية وأميركا، وخلاصة القول هؤلاء لم ولن يتمسكوا بفكرة الانتماء وما هجراتهم المنظمة إلا بحث عن مصلحة أو توق لمشهد سريالي على بحر المتوسط وتحت شمس منطقة صورها لهم ساسة الكبار أنها جنة الخلد. 3- التحول النوعي في طبيعة المقاومة وانتشارها باعتبارها الخيار الاستراتيجي عند شعوب المنطقة التي تواجه إسرائيل والانتصارات الميدانية التي حققتها على الأرض وتحويلها لفكرة الكيان المعجزة أو الدولة التي لا تقهر والجيش الجرار إلى مقولة زمن الهزائم ولى ونقلها المعركة إلى الداخل الإسرائيلي بعدما كانت في موقف المدافع ومن يتلقى الضربات الواحدة تلو الأخرى وتهديدها المباشر لطبيعة الكيان السياسي وارغام حكوماته على الاستقالة وخضوعها للمحاسبة واختراق الداخل الإسرائيلي أمنياً وسياسياً وعسكرياً كل ذلك سيجعل ويزيد من فرضية انهيار إسرائيل مع استمرار المقاومة. 4- بعد انكشاف حقيقة الصراعات الداخلية الحزبية الإسرائيلية بين وسط ويمين ويسار ومتطرف وغيره والتقاء جميع المتصارعين حول نقطة واحدة هي رفض السلام واستمرار العدوان وزيادة التطرف والممارسات العنصرية سواء في الثقافة الرسمية الصهيونية أم في البرامج السياسية للحكومات والتي تظهر فيها بوضوح حقيقة العنصرية والتمييز العنصري التي يشاهدها ويتلمسها الرأي العام العالمي وبدأ يتفاعل معها ويدرك حقيقة هذا الكيان، الأمر الذي ساعد كثيراً على تراجع التأييد الدولي سواء رسمياً أم شعبياً لإسرائيل ويمكن أن يصيب ذلك كيانها في مقتل. 5- أصبحت إسرائيل اليوم عبئاً حقيقياً على الولايات المتحدة الأميركية فهي تكاد تتراجع عن ممارسة الدور الموكل إليها في حماية المصالح الأميركية وخطوط إمداد الطاقة ومنابعها والمجال الحيوي لقلب العالم «الشرق الأوسط» تحولت من شرطي حماية وقوة ارتكاز إلى لص ومجرم ملاحق وعلى سيده الأميركي أن يدفع ثمن جرائمه وارتكاباته، ولا يقف الأمر عند هذا الحد، فقد كشفت المعلومات عن دور إسرائيلي في كثير من الأعمال الإرهابية المنظمة سواء ضد الولايات المتحدة الأميركية أو حلفائها ودور إسرائيلي في تقويض الاقتصاد الأميركي من خلال الأزمة المالية العالمية الأخيرة وأدوار أخرى في فشل المشاريع الأميركية سواء الشرق أوسطية أم الشرق الأوسط جديد أم توريط الإدارة الأميركية في نزاعات كبرى مثل القوقاز وإفريقيا الصومال - دارفور وفي أميركا الجنوبية ومع روسيا وغيرها من بؤر التوتر التي دفعت الإدارة الأميركية ثمناً باهظاً نتيجة الإخفاق فيها، وتزامناً مع سياسة التغيير المطروحة أميركياً ومحاولة إدارة أوباما الجديدة استعادة جزء من السمعة والمكانة الأميركية عالمياً فإن إسرائيل تظل عبئاً كبيراً ولابد من التحول في طريقة التعامل معها وخصوصاً إذا ما فكرت وقررت إسرائيل المواجهة العسكرية مع إيران منفردة أو بالتحالف مع أميركا وعندها تصبح التقديرات لنهاية إسرائيل أقرب مما هو متصور بكثير، طبعاً هذه النقاط الرئيسية في تشخيص عوامل زوال إسرائيل إلا أن هناك عوامل أخرى كامنة في الداخل الإسرائيلي مجتمعية ونفسية منها: عدم اليقين من المستقبل وعزوف الشباب عن المشاركة في الحياة العسكرية «الخدمة» وانهيار نظرية الإجماع الوطني وخصوصاً مع اتساع الهوة القائمة بين العلمانيين والمتدينين وحالات العداء بين الأحزاب الدينية الشرقية والغربية والوسطية، وحالات التمرد في مؤسسات الجيش واضطراب النظام السياسي والفشل في تحديد ماهية الدولة اليهودية وغيرها من العوامل التي تضاف إلى المشهد العام القائل بزوال إسرائيل. |
|