تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


هل تحول ساكاشفيلي إلى رأس حربة؟

شؤون سياسية
الأربعاء 29-4-2009
د. محمد البطل

تشير الاحتجاجات والتظاهرات الجماهيرية المستمرة منذ أسابيع في العاصمة الجورجية تبليسي وعدد من مدنها الكبرى (كباتوي- بوتي)، مرة أخرى،

إلى مأزق نظام الرئيس ساكاشفيلي، وتظهر خلافاً لسابقاتها، انفضاض زملائه الذين شاركوه «الثورة الوردية» عام 2003، وتزداد علامات التساؤل، حول ماستؤول إليه الأوضاع في جورجيا، بسبب عوامل جديدة جورجية- دولية تتلخص في تبعات حرب آب 2008، وإعلان إقليمي أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا استقلالهما التام عن جورجيا، إضافة إلى الانتقادات المتزايدة في الغرب لساكاشفيلي وتحميل بعض الزعماء الغربيين الرئيس الجورجي مسؤولية حربه الخاسرة، فضلاً عن «تأجيل» حلف الناتو عملياً انضمام جورجيا إلى صفوفه، رغم الإعلان مؤخراً عن مناورات مشتركة أطلسية- جورجية في أيار.‏

ساكاشفيلي الذي أزاح غريمه أدوارد شيفارنادزه عن سدة الرئاسة في ثورة الورود، بعد أن كان شيفارنادزه قد أطاح بدوره بـ زافياد غاسخورديا (أول رئيس جورجي بعيد تفكك الاتحاد السوفييتي)، كان قد حصل في الانتخابات الرئاسية التي جرت عام2004، على 96 بالمئة من أصوات الناخبين، وتصدرت حملته الانتخابية آنذاك شعارات «دغدغت» المشاعر القومية الجورجية (توحيد الأراضي الجورجية وبخاصة إقليمي أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا، اللذان تمتعا بحكم ذاتي خلال الحقبة السوفييتية، وأعلنا استقلالهما عام 1991، بعيد تفكك الاتحاد السوفييتي)، وحل الأزمة الاقتصادية والانضمام إلى حلف الناتو وإلى الاتحاد الأوروبي، ولم يستطع طوال ولايته الأولى تحقيق أياً من شعاراته، لابل شهدت هذه الفترة توتراً في العلاقات الجورجية- الروسية، ومحاولات جورجية- أوكرانية إقامة اصطفاف داخل رابطة الدول المستقلة (جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق)، وهذا مايوضح أسباب المظاهرات التي شهدتها جورجيا نهاية عام 2007، ومطلع 2008 والتي أدت إلى انتخابات رئاسية مبكرة منحت ساكاشفيلي فوزاً باهتاً قدر بـ 52 بالمئة (مقارنة بانتخابات عام 2004، وحصوله على 96 بالمئة)، طعنت المعارضة بها وأيدت نتائجها الإدارة الأميركية، وتفاوت تقييم المراقبين من منظمة الأمن والتعاون الأوروبي حول نزاهتها وديمقراطيتها، هذا التراجع في شعبية الرئيس ضاعفه إقدام ساكاشفيلي على مغامرته في آب الماضي وخسارته الحرب، وانقسام المواقف الدولية تجاهه، لابل انتقاده، و«تأجيل» إدراج جورجيا على لائحتي التوسع الأطلسي والأوروبي فضلاً عن إعلان الإقليمين استقلالهما، واعترف روسيا بها بعد تأنٍ دام 18 عاماً.‏

وخلافاً للاحتجاجات السابقة، فإن ماتشهده جورجيا منذ أسابيع يتميز بمشاركة قوى ورموز، وكانت حتى حرب آب جزءاً من نظام شاكاشفيلي وأركان إدارته (نينو بورجانذره رئيسة البرلمان السابق، سالومي زورا بيشيفلي وزيرة الخارجية السابقة .. الخ). ووزراء سابقين (وزير الدفاع السابق أوكروشيفلي) إلى جانب قوى امتنعت عن المشاركة في «الثورة الوردية» أو فضلت التريث لترى نتائجها، وقوى ورموز أطاح بها الرئيس السابق شيفارنادزه (كوستانتين غاسخورديا زعيم حزب الحرية ونجل (الرئيس غاسخورديا).‏

وإن كان تجمع القوى المعارضة الحالية المعارضة لساكاشفيلي المتمثلة في 13 حزباً، تضم مؤيدي الثورة الوردية سابقاً، والرافضين لها أيضاً، فإنها تداعت معاً على هدف واحد يتلخص في الإطاحة بالرئيس، وتتباين فيما بينها حول طبيعة نهج جورجيا مابعد الإطاحة بساكاشفيلي، ويوحد جزءاً منها موضوعي الانضمام إلى الناتو والاتحاد الأوروبي، أي أنها تجمع أصدقاء الأمس ومعارضي النظام منذ تولي ساكاشفيلي سدة الرئاسة، وهذا مايضع علامات استفهام حول مرحلة مابعد توحدها على هدف إسقاط ساكاشفيلي، في حال نجحت في ذلك.‏

وتزداد الأمور تعقيداً بسبب من تحميل ساكاشفيلي عدد من وزرائه أسباب خسارة الحرب، لابل عزل بعضهم وبخاصة وزيري الدفاع والخارجية (يهوديان ويحمل أحدهم الجنسية الإسرائيلية) من جهة، و«تفاهمه» مع قيادة حلف الناتو على إجراء مناورات عسكرية مشتركة أطلسية -جورجية في شهر أيار، احتجت على إقامتها روسيا وهددت بتجميد مشاركتها في لجنة الأطلسي الأطلسي- روسيا، وأعلنت جمهوريات أخرى أعضاء في رابطة الدول المستقلة رفضها المشاركة في هذه المناورات، ما يزيد من عزلة جورجيا عن محيطها السوفييتي السابق، ويضيف عنصر توتر أخر إلى واقع العلاقات الروسية- الجورجية القائمة.‏

باحث في الشؤون الدولية‏

batal-m-@scs-net.org

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية