|
شؤون سياسية ولم يعد التوزع هذا مقصوراً على أشخاص وشرائح بل تعدى ذلك إلى حدود أن يكون المجموع العربي تحت هذا التوزع القسري، فالأزمة قد أطبقت وصارت تنتج أشكالاً وصيغاً من المواقف وأنماط السلوك السياسي الذي لا يقدم سوى الاحساس بالمرارة وضياع الذهن وتمزق الوجدان بين بكاء على ما يجري عند العرب وبكاء مما يجري عندهم، كان التوقع أساساً هو أن تجارب ومشروعات إعادة صياغة المنطقة سوف تبقى في طور الطرح السياسي وفي أسوأ الحالات سوف تبقى هذه المشروعات رهينة الإقرار والتداول المحدود في الطوابق السرية وفي أذهان ومكاتب بعض من يخطط في العلن من الخارج ومن يستجيب في السر من الداخل العربي، وكانت المسألة أشخاصاً وأفكاراً، الآن خرجت كل الموبقات إلى العلنية، وفي السياسات العربية توطد هذا النسق من المتعاملين بإصرار مع مشروعات الإساءة للحق والكرامة معاً، وقد نبتت لهذه التيارات أقلام وصار لها خبرات، وانتهت تلك القاعدة الفقهية التي تقول :إن لم تستحِ فاصنع ما شئت، في مرحلة ما كان الابتلاء بالمعاصي يستوجب التستر ورحلت تلك المرحلة إلى أن وصلنا إلى ما يقترب من الغرابة فلم يعد يشعر بالحياء، ذاك الموقع الذي يستدرج الخطأ ويمارس الخطيئة ويروج لها، ويغلفها بعبوات فكرية وإعلامية وكأن القضية هي الكبرى والعادلة والمصيرية عنده، والأمثلة كثيرة مبثوثة في كل موقع عربي، لكن الأخطر هو هذا الانجاز الجديد الذي يعتبر دعم المقاومة، ومساندتها ولو بالكلمة أو حليب الأطفال هو جريمة سياسية موصوفة ومن يحاول أن يفعل ذلك بدافع إنساني على الأقل هو متآمر، هو جاسوس وقد استباح كرامة الوطن وسيادة الدولة، ولا أعرف كيف يكون الحال حينما يكتشف الدهاة المكشوفون من السياسيين أن المقاومة تستحق أن نمدها بالدم والسلاح، فهي معيارنا وقرارنا وهي العامل الضامن الوحيد من الاندثار في هذا الزمن الأغبر، وكل عربي يعيش هذا الشعور ويمارسه باعتزاز ويقين وهنا تقع الدائرة الأهم للمأزق، فالمقاومة هي صياغة الإنسان وهي الافصاح عن جوهره، والإنسان محاصر محكوم بقواعد السياسات الرسمية وهكذا استطاع دهاة التزوير أن يحولوا المقاومة إلى شرط تهمة وإلى شرك يصطادون فيه على هواهم ويملؤون الدنيا ضجيجاً في اللحظة المناسبة، إننا نستحوذ الآن على نموذج صارخ من ذلك، هناك مقاومون من أي مصدر أو انتماء كان سواء أكانوا من حزب البعث أم من حركات إسلامية أم كانوا من حزب الله، رجال صدقوا ماعاهدوا الله عليه، وأدركوا أن الصدق مع الله هو واقع بين الشهادة أو انتظار الحصول عليها، ولولا هذه القاعدة لما كان هناك هذا الألق الذي تخطى حدود الانجاز إلى الاعجاز في جنوب لبنان أولاً وفي غزة هاشم ثانياً، ماذا كان يلزم من الإرهاب والقتل والتدمير الصهيوني لكي يقتنع البعض أن الموت على قيد الحياة هو آخر علامة من علامات الاندثار، ألم تكن المقاومة هي الرد على الموت المنظم والسد لهذه الثغرة المؤلمة في مجمل تخبطات السياسات العربية الرسمية، ولن تكون القصة على هذا النحو من السذاجة والسطحية، بالتأكيد هناك ما هو مقرر من خارج الحدود، وهناك من هو مستأجر من داخل الحدود العربية لكن المسألة في أصلها صراع، وفي ميادين تأتي عملية الزج المتراتب لكل الأسلحة ونعلم أن نقطة البدء في التحول كانت عبر بدء العصر العربي الحديث بالمقاومة من حيث هي موقف وإيمان ومن حيث هي انتصار وصمود وتوغل في المدى المحاصر والمزروع بالهزائم وسموم الأهواء وظلامية تلك الأفكار التي صارت تلقي بثقلها ودون توقف في الساحة العربية، وهي تدين المقاومة وتغطي جريمة الاعتداء الصهيوني، وتجترح من الأساليب والمسارات ما عجزت عنه حركة الاستعمار التاريخي وحركة الصهيونية العالمية على مدى عقود كثيرة من الصراع العربي الصهيوني ولقد أشرت إلى أن المسألة هي صراع وهي ميدان التقابل والحسم، لهم أن يختلقوا وأن يفتعلوا ولكن النتائج والنهايات هي ملك لمن يدير المعركة بشرف ويدور فلكها الواسع والعميق باندفاع المؤمن ويقين النصر ومنهجية العطاء حتى حدود الشهادة ونعلم أن الفعل الصغير في اتهام حزب الله هو محاصر بين الحقد والفشل، إن معاييرالصراع هي ملكية التاريخ وغزة دائماً كانت مصدراً للتاريخ. |
|