تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


عنوان لحضارة..

معاً على الطريق
الأحد 2/10/2005م
د. اسكندر لوقا

القول بالحضارة هو قول لابد أن يستدعي أكثر من إشارة إلى تقاليد اجتماعية كانت سائدة في وقت من الأوقات, أو هي حاضرة بيننا إلى وقتنا الراهن.

من هنا التوقف عند ضرورة بل وأهمية التقاط حدث ما جرى في التاريخ قديماً كان زمن وقوعه أم حديثاً, وذلك تأكيداً لأصالة المجتمع الذي يقاربه أو يتصل به وخصوصاً فيما يتعلق بقدرته على توظيف الحدث لخدمة الحاضر.‏

بمعنى ما, يرتبط هذا القول لدي بتاريخ الدول التي أخضعت لموجات غزو استعمارية في الماضي, وتحديداً في الماضي البعيد, وبلادنا, كما نعلم, واحدة من تلك البلدان التي تعرضت لغزوات استعمارية, منذ أيام الفاتحين هولاكو وتيمورلنك وجنكيز خان, وصولاً إلى العهود التي تلت في القرون اللاحقة, حتى انحسرت الأطماع الاستعمارية عن بلدنا بخروج آخر مستعمر فرنسي من أراضيه في العام .1946‏

وبطبيعة الحال, كان لابد أن تترك تلك الغزوات الاستعمارية بصمتها على الأرض, كما في العقول والنفوس. ومن ذلك, على سبيل المثال, التداعيات السياسية والثقافية التي أعقبت عودة الأرض إلى أصحابها لدى البعض منهم. ومن ذلك أيضاً ما ترويه متاحفنا الوطنية من حكايات عن الأيام التي كانت فيها قبضة الأجنبية تتحكم بمصيرنا, كما ترويها الكتب الثقافية واللوحات الفنية والأغاني الحماسية وما شابه ذلك.‏

ومع وقفتنا اليوم مع أحد المتاحف المتميز جداً, بما حواه منذ عام تأسيسه حتى اليوم, هو متحف مدينة دير عطية, نستطيع التأكيد على أنه واحد من أهم المتاحف الرديفة, لمتاحفنا الوطنية الأخرى المنتشرة في أرجاء سورية بما يحتويه من معالم آثارية لا تقدر بثمن. وإذ لا نقول أيضاً بقدرته على منافسة أعرق تلك المتاحف, بحسن عرض محتوياته واتقان تبويبها, بحسب انتمائها إلى الزمن والنوع والاختصاص, نضيف بأنه يكتسب قيمته, على حداثته, كونه عنواناً لحضارة لم تزل باقية على مدى التاريخ, كما هي دمشق باقية كونها أقدم المدن في العالم استمرت فيها الحياة.‏

ويزداد الزائر للمتحف المذكور إيماناً بقدرة الإرادة الذاتية على الفعل, إذا ما هي جسدت الإيمان بوطنها وكانت حريصة على حماية تاريخه من الاندثار, سواء بسبب من الإهمال أم بعامل مفاجآت الطبيعة فضلاً عن فعل الإساءة إلى الأثر ذاته ساعة العثور عليه, أي باللامبالاة التي كثيراً ما تترافق مع جهل البعض منا بأن قيمة الأثر فقط حين يكون, بعد اكتشافه, في مكانه المناسب, وهو المتحف, ليكون أبناء الوطن على بينة من تاريخهم. وهذا ما قرأته في زيارتي لمتحف دير عطية, حيث ساكن المدينة وما يجاورها كل منهم يسعى لتكون له بصمته في زيادة حجم محتويات المتحف بما يتوافر أو قد يتوافر لديه من أثر أو معلم يحكي ماضياً يليق بحضارة مدينته ووطنه, ويكون عنواناً يستفز في الآخر غيرة العطاء له.‏

إن زائر هذا المتحف, لابد أن يخرج بانطباع عفوي, ومن دون أن يتحدث إليه أحد من القيمين عليه, وهو أنه زار مكاناً لم يكن متوقعاً مشاهدة ما شاهده فيه, وهو ما يجعله كتاباً مفتوحاً أمام قارئ تاريخ حضارتنا التي نزهو بماضيها كما نحن اليوم نزهو بها وهي تفرض ذاتها في عقول من لم يؤمن بعد بأن بلدنا هو بلد الإنسان الأول, كما هو سيبقى بلد آخر إنسان على وجه الأرض.‏

متحف دير عطية هو بحق عنوان لحضارة تستحق من أبناء جيل اليوم قراءتها وفاء منهم لدورها العميق والدائم في تاريخ البشرية.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية