|
شؤون سياسية أن الاتفاق الذي توصلت إليه المعارضة مؤخراً قد يضاف إلى سجل الاتفاقيات العديدة التي وقعتها القوى والرموز الصومالية على اختلاف اتجاهاتها. هذا في الوقت الذي تتواصل فيه الاشتباكات بين الحكومة الصومالية والمعارضة المسلحة من جهة, وتستمر التباينات والتناقضات في صفوف المعارضة من جهة ثانية, إضافة إلى بروز العامل الاقليمي, وخاصة دول الجوار الصومالي, بوصفه عاملاً رئيسياً في الأزمة الصومالية المستمرة منذ سنوات طويلة. خلافاً للتباينات الصومالية -الصومالية التي شهدتها البلاد إثر تولي الجنرال محمد سياد بري الحكم في أواسط ستينيات القرن الماضي, وغلفت آنذاك بلافتات خلافية سياسية حول طبيعة توجه الصومال ونهجه الداخلي وعلاقاته الخارجية, فإن الصراع الدائر في الصومال منذ سقوط نظام الرئيس بري عام 1991 وتشظي حزبه (الاشتراكي الثوري), أظهر حجم التباينات والتناقضات القبائلية والمناطقية وخاصة في جنوبه أولاً, وانقسام الصومال (الواحد) إلى دويلات ثانياً, ودخول دول الجوار بقوة على خط الأحداث الداخلية ثالثاً. وازداد تأثير دول الجوار, وامتداداته الصومالية, في كيفية معالجة الوضع الداخلي الصومالي بعيد فشل أميركا في الدخول المباشر على خط (الاشتباكات) الصومالية -الصومالية, واندحار قوات المارينز مطلع تسعينيات القرن الماضي, وتالياً تفضيلها خيار التدخل غير المباشر في هذه المنطقة الاستراتيجية. وتزايد الاهتمام الدولي والاقليمي بالصومال مؤخراً, (بعد (تغييب) ملفه سنوات طويلة) إثر ظهور نشاط مجموعات وقوى مسلحة سلفية -أصولية في نهاية تسعينيات القرن الماضي, وتزامن نشاطها مع تفجير سفارات أميركية عدة في افريقيا (كينيا,تنزانيا) وانعكاسات ذلك وطنياً واقليمياً. كذلك سيطرتها على مناطق ومدن من جهة, ودخول التفاعلات الجارية في الصومال دائرة التجاذبات والتنافس بين دول الجوار الصومالي من جهة أخرى. فضلاً عن محاولات دول الجوار درء تداعيات الوضع (الداخلي) الصومالي عن بلدانها: (جيبوتي أو ما كان يعرف بالصومال الفرنسي,إثيوبيا ومحاولاتها إغلاق ملف أوغادين المتنازع عليه مع الصومال, كينيا والامتدادات الصومالية في شمال البلاد..الخ). وإذ شهدت الفترة التي أعقبت سقوط نظام بري محاولات فاشلة للتوافق الصومالي -الصومالي, فإن البلاد غرقت في حرب أهلية -قبائلية وخاصة في الجنوب (العاصمة مقديشو وجوارها). هذا في الوقت الذي أعلن فيه عن قيام دولة أرض الصومال في الشمال, ودولة بونت لاند في الوسط. ومع عودة الصومال إلى دائرة الضوء والاهتمام الاقليمي والدولي مرة أخرى لأسباب كثيرة, داخلية واقليمية ودولية, فإنه لابد من الاشارة إلى أن الأطراف الصومالية قد توصلت أكثر من مرة, أو غالبيتها على الأقل, إلى اتفاقيات يفترض بها أن تنهي الحرب الأهلية الدائرة, وأن تعيد للصومال وحدته, وبدء عملية إحياء مؤسسات البلاد التشريعية والحكومية: (اتفاق جيبوتي الأول, اتفاق اثيوبيا, كينيا, أرتيريا..الخ) لكنها لم تكلل بالنجاح وبقيت حبراً على ورق, مع استمرار المعارك على أرضه. ورغم أن اتفاق نيروبي, ثم أديس أبابا عام 2004 قد أسس لقيام حكومة صومالية انتقالية والتوافق على برلمان وطني مؤقت, ورئيس للبلاد, فإن الصراع استمر بين الموقعين على هذا الاتفاق والمحاكم الاسلامية المسيطرة على العاصمة مقديشو وعدد من مدن الجنوب إلى أن حسم لصالح الحكومة المؤقتة بمساعدة القوات الاثيوبية. وإذا كانت المعارك الأخيرة قد تمحورت بين تحالف إعادة تحرير الصومال, وبضمنها قوات المحاكم الاسلامية بزعامة شيخ شريف أحمد من جهة, وبين الحكومة المؤقتة المدعومة من القوات الاثيوبية من جهة أخرى, فإن الإعلان عن الاتفاق الأخير للمعارضة (اتفاق جيبوتي) في تموز الماضي, انتخب على أثره طاهر أويس زعيماً للتحالف, أفرز بدوره انقساماً حاداً في صفوف التحالف وتالياً مصير زعامته بين جناح شريف أحمد والزعيم الجديد أويس, أي بين ما يطلق عليه تسمية تياري جيبوتي وأسمرة. ما يضع علامة استفهام حول مستقبل هذا الاتفاق, أو إضافته إلى ملف الاتفاقيات السابقة. وفي ظل استمرار المعارك بين المعارضة بتشكيلاتها والحكومة, وعدم توافق قوى المعارضة فيما بينها, تتواصل الحرب الأهلية في الصومال ويعاني أهله تبعات صراع مستمر منذ عقود, دمر البلد والبشر والحجر, وغابت عن المساهمة في علاجه وإغلاق ملفه, المصلحة الوطنية العليا, لصالح الفئوية والقبائلية والزعامات المناطقية وأمراء الحرب وتجاذبات وتنافس دول الجوار الصومالي, كما غابت أو غيبت نفسها الدول العربية, أو غالبيتها الساحقة على الأقل عن مسؤولياتها ومصالحها الوطنية والقومية أيضاً. *باحث في الشؤون batal-m@scs-net.org ">الدولية batal-m@scs-net.org |
|