تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


لنتخلص من هذه التهمة!

عن موقع planete Non violence.- بقلم: جان بريكونت
ترجمة
الاثنين 18/8/2008
ترجمة:حسن حسن

ظلت عبارة (معاداة السامية مرادفة تماماً لعبارة (معاداة اليهودية) في الخطاب الثقافي والسياسي الصهيوني,

وأصبحت هذه التهمة سوطاً يلهب به الصهاينة ظهر الرأي العام الغربي ويهاجمون الكتّاب والمفكرين الذين يعلنون الاحتجاج على ممارسات إسرائيل في فلسطين, المنافية للقوانين والأخلاق والحضارة المدنية ولقيم الحرية والتعبير عن الرأي.‏

هذا الإرهاب الفكري المنظم مارسته وما زالت تمارسه المنظمات الصهيونية في كل مكان في العالم الغربي مستهدفة الأصوات الحرة ومشككة بوطنيتها وإنسانيتها وعدم احترام عقلها ورأيها, والضحايا أكثر من أن تسعف الذاكرة الإنسانية صاحبها لتذكرهم جميعاً, ولعل آخرها وأحدثها وقوع رسام الكاريكاتير الفرنسي الشهير سينيه في قفص الاتهام بمعاداة السامية, وقد تقدم سينيه بدعوى أمام القضاء لتعرضه لتهديدات بالقتل, وكان الرسام الثمانيني الذي نشرت رسومه في الصحف طوال السنوات الأربعين الماضية قد طرد من عمله في مجلة( شارلي أبدو) بعد حملة شنتها ضده أوساط صهيونية. كما أن قرار رئيس تحرير (شارلي ابدو) فيليب فال وقف التعامل مع سينيه قد أثار جدلاً واسعاً في الأوساط الفكرية و الإعلامية ما بين مؤيد ومعارض, سينيه الذي يعتبر من دعائم هذا الفن في فرنسا واجه من جهته الاتهامات التي وصمته بالعداء للسامية بالسخرية والاستنكار.‏

هذه القضية التي تندرج ضمن سياق الحملات المتلاحقة التي شنتها مجلة(شارلي ابدو) ضد المسلمين قد أوصلت حرية التعبير في فرنسا إلى مفترق طرق صعب. فإما الاعتراف نهائياً بأن المسلمين والكاثوليك أهداف مبررة ويجب وقف كل حملات الاساءات والرسوم الساخرة بحقهم وبالتالي اعتبار كل عبارة مسيئة تتضمن كلمة (يهودي) أو (صهيوني) نوعاً من (التابو) المحرم, وإما أن بمقدور هذه القضية القفز فوق هذا العائق وتخطيه, في الحالة الأولى يجب ألا نوهم أنفسنا أن أي نوع من المعالجة التفاضلية لهذه القضية سوف يثير »وقد أثار بلاشك فيما مضى) حالة من معاداة السامية بصورة جماعية على الرغم من صمت وتجاهل الصفوة الإعلامية, وفي العمق فإن هذه القضية المربكة والتي طاردت أولئك المتورطين بها وهم كثر, يمكن إيجاد مخرج مريح لنا وبصورة نهائية توضيح حدود حرية التعبير, فالأمر المؤكد هو أنه بمقدورنا منع وفي الحال أي دعوة لاقتران أي عمل غير شرعي , ولكن أيضاً اتخاذ أي رأي عام فيما يخص التاريخ والأديان والمعتقدات والايديولوجيات وحتى الجماعات البشرية أي »الأعراف) سواء أكان هذا الأمر حقيقياً أم مختلفاً شائناً أم غير شائن فلا يجب أن نضعه تحت طائلة القانون.‏

وإذا ما انتقلنا إلى أمور أكثر جدية وأهمية فإننا سنجد تصريحاً في نيويورك تايمز لأحد المؤرخين الجدد الإسرائيليين »الهامين) وهو بني موريس يعلن فيه أن»إسرائيل سوف تهاجم وعلى نحو شبه مؤكد إيران في فترة تتراوح بين أربعة إلى ستة أشهر) بمعنى أن الخيار الوحيد المطروح حالياً هو »هجوم نووي احترازي) ضد إيران و بعبارة أخرى إن أي هجوم سيكون الخيار الوحيد لخسارة الاحتكار النووي الإسرائيلي في المنطقة , فهل هذا التهديد حقيقي أم خدعة?! حسب ما أوردته صحيفة »صنداي تايمز) فإن بوش قد أعطى الإسرائيليين »الضوء البرتقالي) فإذا ما هددوا ولم يضربوا لسوف يظهرون بمظهر الحمقى »باعتبار أن إيران لن تتراجع عن مواقفها) وإذا ما هاجموا فلسوف يكون ذلك ضرباً من الجنون, لكن حرب لبنان التي وقعت عام 2006 قد أسفرت مؤخراً عن عملية تبادل للأسرى كان يمكن لها أن تحصل قبل وقوع تلك الحرب. ألم يكن ذلك نوعاًً من الجنون أيضاً?!‏

لهذا السبب فإن كل تلك الضجة التي أثيرت في فرنسا حول الرسوم الساخرة والحجاب والاتهامات المعادية للسامية لم تكن محط سخرية فحسب, بل يمكن أن تبدو مأساوية أيضاً فكل هذا من شأنه أن يشحن النفوس والعقول استعداداً للحرب , فإذا ما هوجمت إيران فإن رد الفعل المتوقع سيكون حتماً في صالح إيران, كما أن حزب الله الذي ولد مع الاجتياح الإسرائيلي لبيروت ,1982 قد ألحق الهزيمة بإسرائيل, كذلك فإن الفلسطينيين الذين أخرجوا من أرضهم منذ ستين عاماً سيواظبون على المطالبة بحقوقهم, بمعنى آخر إن أي حرب من الحروب الاستعمارية الحديثة لن تكون »خاطفة وممتعة) وعلى الغربيين أن يتعلموا كيفية التعايش مع عالم قد أفلت من بين أيديهم.‏

وعليه, فالضجة التي أثيرت ضد الإسلام, كذلك فزّاعة معاداة السامية لهما مؤدى واحد وهو الحيلولة دون الوعي بحقيقة ما جرى في الشرق الأوسط من أن الفلسطينيين أولاً هم من دفعوا فاتورة الجرائم المرتكبة في أوروبا بحق اليهود وثانياً السخرية لسبب أو لآخر من أولئك الذين حملوا على أكتافهم لواء الدفاع عن ضحايا تلك المقتلة الكبرى »فلسطين).‏

ومن خلال هاجس اليهودي المضطهد الذي أوردته جيزيل حليمي في رسالتها إلى فيليب فال أجابته على وهم الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط المهددة لجيرانها, فإسرائيل ليست مهددة كما تدعي بل هي من تهدد جيرانها وبالتالي فإن النضال في سبيل حرية التعبير ليس من أجل الدفاع عن غزو قديم فحسب, بل هو أيضاً النضال من أجل إخراج الفكر من القيد الذي وضعته ولعقود عدة الدعاية المؤيدة لإسرائيل.‏

وثمة حاجة ملحة ومن أجل السلام هي تحرير العقول من سيطرة الخوف من الاتهام بمعاداة السامية والتخلص من صهينة الفكر والرؤية التي طالما خيمت على عقولنا حيال الشرق الأوسط ونسيان »شارلي ابدو).‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية