|
هذا جولاننا
والإسرائيليون لم يحددوا بعد موعد القدوم حتى يأتي بعد قليل جواب المندوب الحائر أمام بحر من التساؤلات والقلوب المتلهفة لاحتضان الأبناء من جديد. هكذا يصور لنا الأسير السابق والمحرر من سجون الاحتلال الإسرائيلي أيمن أبو جبل حال هؤلاء الأهل الذين يعلقون أنظارهم على الطريق الموصلة إلى المكتب علهم يرون أحد القادمين ليهرعوا نحوه متشوقين ويسألونه فيما إذا كان من يخصهم آتياً بعده, ويتوه ذلك الطالب في مخيلة كل واحد منهم ويعلم عن جدارة ومعرفة كيف يتوق هؤلاء لرؤية من يحبون بعد مضي عام على مغادرة بلدهم الأسير لنيل الدراسة والتحصيل في جامعات الوطن الكبير والأمل يحدوهم أن التحرير آت عما قريب حيث يجتمع الأهل والأقارب ومن فرقهم الاحتلال فوق ربى الجولان. أما جنود الأمم المتحدة ومن موقع المشاهد يخبئون دموعهم خلف أدائهم للمهمة التي قدموا من أجلها حين يتعانق الأبناء مع الأمهات والأخوات والأصدقاء ويشاركهم في ذلك من لم يعد ولده في تلك الرحلة وينطلق الجميع عائدين إلى بيوتهم, حيث ينتظر باقي أفراد الأسرة إلا أن شيئاً ما تغير بفعل الاحتلال الغاشم الذي اقتلع الياسمين وشقائق النعمان والتين والتفاح, وحرم المكان روائح الطيب وحول كل شبر لأبراج مراقبة وحقول ألغام تفوح منها رائحة الخيانة والبارود وفي مكان آخر هدم الكيان الغاصب منزلاً لسيدة تسعينية فارقها أبناؤها لبيوت أزواجهم وزوجاتهم وأماكن عملهم ربما في مناطق أخرى بعيدة عن القسوة والجبروت وربما إلى أماكن أخرى أكثر قسوة بسبب غربتهم عن البيت المذكور الذي يحكي كل ركن فيه عن الحب والسكينة اللذين جمعا أفراد هذه العائلة قبل أن تطأ أقدام الاحتلال تلك الأرض الطاهرة ويحاول جاهداً لتغيير معالمها لكنه فشل وسيفشل.. فالأشكال والصور والأجساد هي التي تتبدل, أما الأرواح فتبقى خالدة إلى الأبد والأرواح الخيرة كامنة في تلك الأرض لن يصيبها شيء.. لكنها رحلة عذاب أليمة يعيشها شعبنا في الجولان على مدى واحد وأربعين عاماً من حكم الاحتلال البغيض.. واحد وأربعون عاماً وشعبنا يستحضر الذكريات والأشجان والأموات ويستنهض الحياة في روح أشخاص كانوا هنا في كل المزارع والشوارع والأحياء.. في تلك السهول التي كانت تثمر بالعطاء والود وتجود بالخضرة وترويها حبات العرق المتساقطة من جباه الفلاحين وأصحاب الحق, تلك السهول لابد أن ترتوي يوماً من جديد حينما تكبر الجذور اليافعة وتمتد في عمق الوطن وتشق سطح الأرض مبشرة بميلاد جيل التحرير. |
|