|
شؤون ثقافة في محاضرته» اللغة هوية وانتماء « وهو يرى أنه من المحزن أن نفكر بمثل هذه العقليات , والمؤسف أكثر أن تحتاج اللغة العربية إلى من ينافح عنها بين أهلها ,وهي التي شهد الأجانب لها . غاية في الكمال ففريناي الفرنسي قال :» العربية بدأت فجأة على غاية من الكمال ليس لها طفولة وليس لها شيخوخة « أما وليم دورد فيقول : »اللين والمرونة في العربية يمكنانها من التكيف مع مقتضيات العصر « إذا -والقول للمحاضر - نحن لسنا بحاجة إلى تقوية اللغة بل تنمية الإيمان بها , لأن من يتخلى عن لغته يتخلى عن وجوده, فما من مجتمع من المجتمعات إلا وله لغة يتعارف بها أبناؤها وإليها ينتمون . ليست بريئة (لاتوجد لغة بريئة ,كل لغة منحازة لأمرين : المعنى والانتماء) د. علي أبو زيد ذكر بقول المرحوم عبد الوهاب المسيري هذا ,ليتابع القول , هذا صحيح فعندما احتلت فلسطين من قبل الصهاينة كانوا يقولون (الكيان الصهيوني ) ,وهذا تعبير منحاز إلى ما يريده أهل اللغة . واليوم أصبحنا نطلق على البلاد العربية اسم (دول الطوق ) والطوق لا يكون إلا على شيء ثابت , فانحازت اللغة إلى مايريده الأعداء ,وانحيازها لانتمائها هو عنوان كل شعب وكل أمة , وعندما نقول العربية نعني العرب , وكل من يتكلم بالعربية هو منتم لها , لا لتكون هي بل ليكونوا هم , لأنهم إن تخلوا عنها سيجدون أنفسهم في مهب الريح . الخرافات العشر عشر خرافات تروج حول العربية ,هذا ما صرح به متحدث انكليزي , يتقن خمس لغات ,وهو مترجم الملكة ومستشار المحطة الانكليزية ,وذلك في المحاضرة التي ألقاها بالمؤتمر الذي يخص اللغة العربية وكان قد حضره د.علي أبو زيد ومن هذه الخرافات أنها لاتواكب العصر ,وهي صعبة وقواعدها عصية على الفهم وعدد المتحدث خرافات أخرى . لكن تاريخ اللغة العربية يقول- د.أبو زيد- يدحض الافتراءات ويثبت عكسها , فقد استطاعت أن تواكب كل تطور منذ بدأت القبائل العربية تجوبها من بحر العرب إلى ديار بكر بن وائل, إذا كان العرب يتكلمونها على أنهم قبائل متفرقة ولما جاء الدين الاسلامي انقلبت القبيلة إلى الدولة الصغيرة في المدينة المنورة ,واستطاعت العربية أن تواكب هذا الكيان الموحد , ولما اتجهت جيوش الفتح شرقا إلى السند والهند , وغربا إلى افريقيا وجنوب فرنسا رافقت العربية جيوش الفتح , واستطاعت أن تعبر عن امتداد هذه الدولة , وحين أصبحت دمشق عاصمة للخلافة العربية للدولة الأقوى في العالم , كانت اللغة العربية وفية لها. ولما امتزجت الحضارة العربية بثقافة الأمم الأخرى من الهند إلى اليونان إلى الفرس استطاعت أن تستوعب ثقافات الشعوب الأخرى القديمة والمعاصرة وعبرت عن التطور الحضاري الذي أصبحت الأمة العربية رائدة له في العالم , ولم تكن عاجزة عن ذلك أبدا وصمدت لتكون لغة الحضارة قرونا طويلة . تحديات كبيرة وعليه تطرق إلى التحديات الكبيرة التي واجهتها وأولها : عندما أمر ملوك الدولة الغزنوية بجعل التأليف بالفارسية وألفت الشاهنامة أول كتاب بغير العربية , لكن هذه الدعوة لم تستمر, وبقيت العربية ووقفت في وجه التتار ثم العثمانيين إلى الاستعمار الحديث من المحيط الهادر إلى الخليج الثائر .وبرأي معاون وزير التعليم العالي , أن المشكلة بدأت في النصف الثاني من القرن العشرين ,عندما تحررت الدول العربية من المحتل, وأنس العرب إلى أنهم أصبحوا أحرارا , فلم يولوا لغتهم العنايةاللائقة .وأوضح مثال على ذلك عبارة الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون , فمصطلح الإذاعة دخل في ظل الاستعمار وكان حينها الشعب غيورا لا يقبل لغة أخرى فعربت الكلمة , وأما التلفزيون ,فدخل في عهد الاستقلال ,ولذلك لا مشكلة من قبول كلمة أجنبية وشدد د.أبو زيد على أنه ليس المقصود من التمسك بلغتنا أننا نريد إبطال اللغات الأخرى ,فالدعوة إلى تعلم لغة أخرى هو من الدين ,لأن من تعلم لغة قوم أمن مكرهم لكن شرط ألا يكون العرب مستهلكين فقط , وأنا أراهم اليوم مهلكين , لأن المستهلك هو من يجيد استخدام الشيء ,ولما كان العرب ينتجون المعرفة والثقافة ,كانوا أقوياء ,وعندما آل أمرهم إلى ضعف آل أمر اللغة الضعف لأنها تقوى بأهلهم وبهم تضعف . ضجيج عامي شئنا أم أبينا سنتأثر بالضجيج العامي ,الذي نراه ونسمعه إن في الشارع أو في المدرسة ,فوسائل الإعلام جميعها دون استثناء -والقول لأبي زيد -تروج لذلك إن عن قصد أو غير قصد, وعلينا أن نتنبه لهذا الأمر الخطير الذي لا نستطيع مواجهته إلاحين تصبح اللغة العربية هي الرسمية ,علما أن دساتير الدول العربية كلها تنص على أن تكون اللغة العربية رسمية في البلاد, ولكن هذه الدول ليست وفية لدساتيرها ,فكيف تخان الدساتير ?! والأمر الأكثر أهمية الذي أشار إليه المحاضر هو الحديث عن عجز اللغة العربية عن مواكبة العلم, فجميع الدول العربية تهتم بالتدريس باللغات الأجنبية منذ رياض الأطفال , وتفرض ثنائية اللغة بل ثلاثيتها في المرحلة الابتدائية مع الإشارة إلى أن بعض الدول جعلت مراسلاتها باللغة الأجنبية وأن بعض أساتذة اللغة العربية على مستوى الوطن العربي يتكلمون بنصف عامية ونصف فصحى , فكيف بباقي المعلمين ?! و لسورية أن تفخر بأنها أول دولة استطاعت أن تعرب التعليم العالي . لغتنا حية العربية لغة حية ووعاء يستطيع أن يستوعب كل ما يأتي إليه من مصطلحات هذا ما أكده د. أبوزيد وأوضح أن حركة التعريب بدأت في مطلع القرن العشرين , والذين بدؤوا بها كانوا من غير المختصين ,وأول المعربين برأيه هم المذيعون . أما اللغة العبرية فهي ميتة ,لكن أعداءنا استطاعوا أن يحيوها خلال خمسين سنة فقط , كما أن المالطية تدرس جميع العلوم وهي ليست أهم من العربية ,واليابان من أوائل الدول المتقدمة ومع ذلك لم تقف لغتها في وجه تقدمها,فضلا على أن الألما ن يرفضون التخاطب بغير الألمانية السائدة ,وتدفع مئات الدولارات لتنمية الرابطة اللغوية الفرانكفونية ,فكم ندفع نحن من أجل تنمية لغتنا ?! وخلص د. أبو زيد إلى أن المشكلة ليست في اللغة ,بل في ضعف الانتماء إليها والدليل على ذلك هو عدد الحضور في قاعة المحاضرات بمكتبة الأسد لمحاضرة تخص اللغة العربية فالأزمة إذا ليست أزمة لسان وإنما أزمة إنسان . |
|