تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


من النفط إلى السلام .. تناقضات حضارة

اقتصاديات
الاثنين 18/8/2008
د.محمد شوقي محمد*

على الرغم من ان النفط يشكل حاليا مع مشتقاته الدم الذي يسير في الشريان الأهم للحضارة البشرية في مختلف مرافقها وخاصة في مجال النقل البري والبحري والجوي. وعلى الرغم من استخداماته الهامة في مجال توليد الطاقة الكهربائية وتحلية المياه وامداد القطاعات الاقتصادية المختلفة بالوقود اللازم لتشغيلها.

وغير ذلك الكثير الا ان ذلك كله يترافق مع ان النفط يعتبر من اهم المصادر الملوثة للبيئة ربما هو القدر الذي يفرض على الانسان السعي الدائم للجمع بين المتناقضات .‏

فالدور الهام الذي تلعبه هذه السلعة الاستثنائية في الحياة البشرية تجعل من الجميع يتسابقون للحصول عليها ناسين او حتى متناسين مدى الخطورة الناجمة عن استخداماتها المختلفة الهامة في نفس الوقت ,فجسد الحضارة لن يستطيع التقدم نحو الامام دون هذا الدم القاني الذي يسير في شراينيها المختلفة والذي يفسر لونه الاسود مدى سواد الاثار الناجمة عن وجوده على وجه الارض من حروب شنت وتشن لاجله وخراب تلحقه بالطبيعة تلك العمليات المختلفة المرتبطة به او على الاقل بآليات سوء استعماله.‏

فالتقدم الذي احرزته البلدان المتقدمة حتى الان يعتمد بشكل رئيسي على الطاقة وخاصة الطاقة النفطية باعتبارها العامل الاكثر سهولة في توفير الطاقة لعمليات التصنيع والتطوير وتأمين المواصلات السريعة الى جانب دورها الهام في القطاع الزراعي وتنميته وحتى استخداماته في انتاج الوقود الحيوي الذي تسعى الدول المتقدمة حاليا لتطوير كميات انتاجه وايجاد انواع جديدة منه الى جانب ما هو موجود منها الان.‏

كما يساهم في تنمية القطاع التجاري من خلال حجم تجارته في التجارة الدولية واساطيل التجارة البرية والجوية والبحرية التي يشغل محركاتها لذلك نشأت علاقة وثيقة بين اقتصادات الدول المتقدمة وبين النفط الذي يشكل افضل واسهل انواع الطاقة المستخدمة الى حد اصبح استهلاك النفط فيه معيارا للتقدم الاقتصادي في بلدان العالم.‏

وبالعودة قليلا الى الوراء كان الفحم يشكل المصدر الاكثر اهمية للطاقة في العالم منذ بداية الثورة الصناعية في اوروبا .‏

الا انه وفي اعقاب الحرب العالمية الثانية ومسألة اعادة اعمار اوروبا واليابان لم يعد هذا المصدر كافيا للوفاء باحتياجات هاتين المنطقتين من الطاقة فضلا عن تحول الولايات المتحدة الامريكية ومنذ عام 1948 الى مستورد صاف للنفط الامر الذي جعل النفط يتبوأ المركز الاول على الصعيد العالمي,بسبب قدرته على تأمين الطاقة اللازمة لتشغيل الالات التي تتجسد فيها تكنولوجيا الصناعات المتطورة التي يستوردها العالم بكثافة.‏

واذا كانت الطاقة النووية يمكنها تأمين قدر اكبر من القدرة الحرارية الا ان استعمالها مازال محدودا على الصعيد العالمي حتى الآن.‏

بسبب تكاليفها العالية واحتكار الدول الغنية القوية عسكريا لتكنولوجيتها .‏

لذلك يعتبر النفط الطاقة المحركة الاكثر اهمية في تشغيل الالات والمصانع والمعامل القادرة على انتاج المستلزمات البشرية وحاجاتها المادية المختلفة فضلا عن تشغيل الصناعة العالمية واليد العاملة وتأمين لقمة العيش لها.‏

كل ذلك كان سببا وراء لهاث الدول الصناعية وراء النفط والسيطرة على منابعه وجعل قضية الحصول عليه من اكثر القضايا الاستراتيجية اهمية لتلك البلدان.‏

فالساسة الامريكيون مثلا يعتبرون ان النفط هو الانتاج العالمي الذي يجب ان يبنى على اساسه السلام في العالم فعمليات التصنيع التي تعتبر اساس تقدم الدول الغنية لا يمكنها الاستمرار دون التدفق الدائم والمستمر للنفط لتشغيل المعامل والمصانع ووسائط النقل والمواصلات وان اي خلل في مسألة التدفق هذه نقصا او فقدانا ولاي سبب سياسياً كان او اقتصادياً او طبيعياً من شأنه ان يحدث ازمات اقتصادية بالغة الخطورة تؤدي ولا شك الى اقفال تلك المعامل والمصانع وبالتالي توقف الانتاج .‏

مما سيؤدي الى احداث مشاكل خطيرة في الاقتصاد العالمي هذا من جهة ومن جهة اخرى فان الاستمرار في استهلاك النفط بنهم كبير كما هو حاصل الان سيستمر بإلحاق الاذى بالبيئة ويزيد من سرعة تلك الظواهر السلبية المرافقة لاستخداماته غير الرشيدة فهل يستطيع الانسان ان يستمر بالعيش على الارض من دون ومع النفط? هذا ما سيكشفه لنا المستقبل....??‏

*دكتوراه اقتصاديات الطاقة والنفط‏

المعهد التقاني لإدارة الأعمال والتسويق بدمشق.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية