تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


هل بدّلت واشنطن استراتيجيتها في العراق؟

شؤون سياسية
الأثنين 30-3-2009
غالب حسن محمد

«غزو العراق من أطول الحروب في التاريخ الأميركي» هذا ما قاله أستاذ الإعلام في جامعة جورج تاون ستيفن روبرتسس،

إن واشنطن لم تحصل بعد على جائزتها الكبرى من غزوها للعراق، وهي تمرير قانون «عراقي» للنفط ينقلب على نصف قرن من زمن النضال من أجل أن تظل ثروته النفطية الاستراتيجية ملكاً لشعبه، وطالما لم تحصل الرأسمالية الأميركية على هذه الجائزة، فإن أي حديث عن الانسحاب سيكون ضرباً من الخداع للرأي العام الأميركي والعراقي المعارض للاحتلال واستمراره.‏

هذا التغيير التكتيكي الذي تمارسه إدارة أوباما الجديدة حيال العراق لا يعني أن هذه الإدارة تسير في طريق يقود إلى «ترك العراق لشعبه وينهي هذه الحرب بطريقة مسؤولة» كما قال في خطاب له أمام اجتماع مشترك لمجلس النواب والشيوخ في الكونغرس آواخر الشهر الماضي. إن الرئيس الأميركي الجديد إن كان حقاً يعني ما قاله فإنه يعتبر انقلاباً على ركيزة استراتيجية كانت إلى جانب الحفاظ على أمن دولة الاحتلال «الإسرائيلي» في فلسطين، إحدى ركيزتين أساسيتين للسياسة الخارجية للولايات المتحدة الأميركية، في المنطقة منذ ستين عاماً، فهل هناك ما يشير فعلاً إلى أن أوباما يقود حقاً انقلاباً على هذه الاستراتيجية...؟.‏

لقد ضمن أوباما خطته التكتيكية الجديدة هذه للعراق «مرونة جوهرية» فهو من جهة لا ينوي الاحتفاظ بقوة أميركية قوامها (35) إلى (50) ألف جندي أميركي بعد شهر آب عام (2010) ومن جهة ثانية يقول إن القوات الأميركية سوف تستمر في القيام بمهمات مستهدفة لمحاربة الإرهاب حتى بعد أن تنتهي مهمتها القتالية لذلك فإن خطته المعلنة للانسحاب من العراق «لا تنهي شيئاً، إنها بصفة رئيسية تخدم إعادة تنظيم الأولويات العملياتية للبنتاغون» بينما تستمر «الحرب الطويلة» التي خطط لها بعد الحادي عشر من أيلول.‏

كما قال أستاذ العلاقات الدولية بجامعة بوسطن ومؤلف كتاب «حدود القوة: نهاية الاستثنائية الأميركية» أندروجيه باسيفيتش، يتمثل التغيير التكتيكي بين الإدارتين الأميركيتين في تغير أولوية كل منهما في الحربين اللتين شنتهما الولايات المتحدة على العراق وأفغانستان، من أجل تغيير النظام الحاكم في كلا البلدين إلى نظام موال لها وذلك بهدف حراسة منطقتين استراتيجيتين تضم كلتاهما أهم الاحتياطيات النفطية في العالم في الخليج العربي وفي آسيا الوسطى. فالعراق كان أولوية إدارة بوش من دون أن توقف الحرب على أفغانستان، لكن إدارة أوباما أعطت الأولوية لأفغانستان من دون أن توقف مشروع احتلالها للعراق.‏

كما يتمثل التغيير التكتيكي في تغيير مهمة القوات الأميركية التي ستبقى داخل العراق بعد إعادة انتشارها خارج المدن العراقية تغييراً اسمياً من «قوات محاربة» إلى «قوات دعم ومساندة» بينما تظل هذه القوات أياً كانت تسميتها من قبل البنتاغون، قوة فعلية مسيطرة في العراق كونها تسيطر على الجو باحتكارها لأسلحة الجو والدبابات والمدفعية وتحرم منها ما تسميه «قوى الأمن» العراقية، ومنها «الجيش العراقي الجديد» المكلف فقط بمهمة هي أصلاً من مهام الشرطة.‏

وهنا تكمن مهمة قوات الاحتلال الأميركي الأساسية مهما كان وصفها من قبل البنتاغون ومهما كان عددها، هي نفسها عندما غزت العراق قبل ست سنوات، أي بقاء قطر عربي يعتبر من أغنى الدول بالنفط أسير الاستعمار الأميركي الجديد.‏

إن الخطاب الذي ألقاه أوباما أمام ألفين من قوات المارينز في معسكر «كامب ليوني» والذي أعلن فيه خطته «للانسحاب» من العراق، قد أضفى في الواقع شرعية إدارته على غزو العراق من قبل سلفه جورج بوش بوصفه وسيلة لـ «تحرير» العراق، لا بل إن التزم حتى بالجدول الزمني الذي أعلن سلفه لإنهاء إعادة الانتشار بنهاية عام 2011، حانثاً بوعوده الانتخابية عندما قال: «إن الحرب على العراق ما كان ينبغي شنها أبداً».‏

غير أن ما هو أهم من ذلك أن أوباما في خطابه الذي تطرق إلى استراتيجيته السياسية والعسكرية في العراق لم يلمح من قريب أو بعيد لا في الخطاب ولا قبله ولا بعد ولا حتى الآن إلى أي استراتيجية حول الجائزة النفطية الكبرى التي تسعى إليها واشنطن من غزوها واحتلالها للعراق إنه صمت مريب أفصح من كل كلام. إن الأهمية الفائقة للاحتياطيات النفطية العراقية وللمنطقة الأوسع بالنسبة للولايات المتحدة الأميركية ومركزها في الاقتصاد العالمي قد خلقت دائماً شكوكاً حول ما إذا كانت سوف تنسحب من العراق على الإطلاق.‏

علماً أن الاتفاق الذي صادق عليه البرلمان العراقي المنبثق عن الاحتلال بين إدارة بوش وبين الحكومة العراقية يلزم في ظاهره الولايات المتحدة بجدول زمني لسحب قواتها بنهاية عام /2011/ وإذا ما حدث هذا الانسحاب فإنه يرقى إلى تغيير استثنائي في الموقف الأمني الأميركي ربما بمستوى التراجع من فيتنام الذي توج بمذلةفي الثلاثين من نيسان عام 1975 كما كتب بول روجرز في «أوبن ديموكراسي» في التاسع من الشهر الحالي. لقد شكك روجرز بهذا الجدول الزمني وأورد لذلك عدة أسباب:‏

1- إنه يوجد في العراق حوالي أربعة أضعاف النفط الموجود في الولايات المتحدة بما في ذلك نفط الآلاسكا.‏

2- إن الولايات المتحدة التي كانت مكتفية ذاتياً من النفط حتى نهاية عقد التسعينيات من القرن الماضي تستورد الآن معظم النفط الذي تستعمله.‏

3- بالرغم من أن الولايات المتحدة لا تستورد كميات من النفط في الوقت الحاضر من الخليج فإن تفكيرها يحتم عليها الحفاظ على هذه المنطقة التي تحوي على (62٪) من احتياطي النفط في العالم، وهنا تكمن أهمية السيطرة العسكرية على العراق.‏

وفي هذه الظروف فإن الاحتفاظ بالسيطرة على العراق، بما في ذلك من قدرة عسكرية مباشرة، يظل أمراً أساسياً. وبحسب روجرز فإن «الأهمية الاستراتيجية للمنطقة أياً كان ما ترغب إدارة أوباما في حدوثه، تستبعد أن يكون من المؤكد أن تنسحب القوات الأميركية من العراق تماما ولسنوات كثيرة مقبلة».‏

إن فشل واشنطن في الحصول على جائزتها النفطية حتى الآن وعجز الإدارة الجديدة فيها عن ادعاء النصر في العراق وكذلك عجزها عن «ترك العراق لشعبه» فعلاً لا قولاً يعني أن مشروع الاحتلال الأميركي الذي عجز عن الحسم بعد ست سنوات من الغزو لا أمل له بعد الآن في الحسم لصالحه، لكن ذلك يعني أيضاً أن طريق المقاومة العراقية مازال طويلاً.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية