تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


ماأحوجنا إلى استراتيجية عربية طويلة الأمد!

شؤون سياسية
الأثنين 30-3-2009
د. إبراهيم زعير

إذا ما قيض لمسار المصالحة العربية العربي أن يصل إلى نهايته المرجوة في قمة الدوحة فإن بريق الأمل بنجاح هذا المسار

الذي بدأ بشكل ملموس في قمة الكويت الاقتصادية ومبادرة الملك السعودي عبد الله سيكون النجاح هو العنوان الرئيسي لهذه القمة، ومفهوم النجاح موضوعياً يعني أن القادة العرب استطاعوا تجاوز الكثير من العقبات الكابحة التي كادت أن ترسخ حالة من التشرذم والفرقة العربية التي لن يكون سعيداً بها سوى أعداء العرب من كل لون وشكل وفي مقدمة هؤلاء الأعداء الكيان الصهيوني وحماته الاستعماريين الطامعين والطامحين بالهيمنة على المنطقة العربية برمتها خدمة لمصالحهم الاستعمارية لمصالح الشعوب العربية جذرياً وعندما نقول تجاوز الخلافات الكابحة لا يعني إلغاءها ولكن الوصول إلى مرحلة يستطيع العرب فيها التحكم بهذه الخلافات ومنعها من التحول إلى حالة متجذرة في العلاقات العربية العربية ولعل خير من وصف هذه الحالة السيد الرئيس بشار الأسد بقوله: ضرورة معرفة كيفية إدارة الخلافات القائمة ومنعها من التحول من خلافات إلى صدامات وخصومات، وفي حديثه الصحفي لجريدة السفير اللبنانية أكد مجدداً في رده على سؤال بهذا الشأن قائلاً: طالما أن هناك مقاربة صحيحة للخلافات لا توجد مشكلة، علينا ألا نقلق كعرب من وجود خلاف، علينا أن قلق من عدم وجود آلية للتعامل مع هذا الخلاف أو التعامل الخاطئ مع هذا الخلاف وتحويله إلى عداء فأنا يقول الرئيس بشار الأسد مطمئن بأننا الآن اتفقنا في الرياض على أن الخلافات لن تحولنا إلى خصوم وأعداء هذا أهم شيء.‏

بهذه الشفافية وصدق القول والحرص على التئام شمل العرب يذهب الرئيس بشار الأسد إلى القمة بوصفه رئيسها ولم يتوان يوماً عن بذل كل ما هو ممكن ليس فقط لإذابة الجليد الذي كسر في قمة الكويت بل والسير قدماً في طريق إعادة الحيوية لمقولة التضامن العربي والعمل العربي المشترك الذي أثبت تاريخياً ضرورته الحياتية لمجموع العرب على قاعدة المصالح المشتركة التي تعززها العوامل التاريخية التي لا يمكن إلا أن تكون حاضرة في العلاقات العربية العربية ولاسيما بين أقطابها الرئيسية دمشق والرياض والقاهرة، هذا المثلث الذي يشكل الأساس في أي نجاح للتضامن العربي والذي ارتكز عليه الانتصار الكبير في حرب تشرين التحريرية عام 1973 والتي سمحت للعرب آنذاك باتخاذ المبادر ة لبدء تلك الحرب التحريرية والتي حققت للعرب استعادة مكانتهم وحيويتهم وهيبتهم وكرامتهم التي تضعضعت بعد هزيمة حرب حزيران عام 1967 ولم يقتصر الانتصار على المجال العسكري وتحرير معظم الأراضي المحتلة بل استخدم سلاح البترول الذي دعم الموقف العسكري، ما أقنع العالم بعدالة القضية التي يحارب العرب من أجلها وظلم العدو الصهيوني الذي يبيح كل المحرمات في عدوانيته والمخالفة للشرعية الدولية والقانون الدولي، واليوم نحن العرب بأشد الحاجة إلى مثل هذا التنسيق العربي والتضامن لكي يفهم العالم أن العرب عندما يحاربون وعندما يقاومون فإنهم يحمون أوطانهم ويعيدون الحق المغتصب لأصحابه الشرعيين وليس ثمة طريق آخر لكي يخرج الوضع العربي من محنته الراهنة، إلا بتشابك الأيدي العربية وتحويل النوايا الطيبة إلى حقائق في أرض الواقع ولكي تكون المصالحة العربية راسخة، فإن القمة العربية القادمة أمامها مهمات وأولويات لا بد من معالجتها بما يخدم المصالح الوطنية والقومية وأولى هذه القضايا القضية الفلسطينية التي ما زالت تشكل المحك الأساس بالنسبة للنسبة للعلاقات العربية العربية والتي تحتاج إلى إنهاء حالة التشرذم الفلسطيني على قاعدة التوافق على الثوابت الوطنية الفلسطينية والتي يبرز في مقدمتها تحرير الأرض الفلسطينية وتعزيز المقاومة من أجل إقامة الدولة المستقلة وعاصمتها القدس وربما أدرك الكثيرون بأن حرب غزة أظهرت للجميع أن إسرائيل الصهيونية هي العدو الرئيسي للشعب الفلسطيني والعربي عموماً وتداعيات الهمجية الصهيونية ضد أبناء غزة أظهرت أيضاً مخاطر التشرذم العربي الذي لايقود إلا إلى النكبات الجديدة وإضعاف تلك الأطراف التي اعتقدت ولو للحظة بأن الخصم والعدو هو الحليف الطبيعي وليس العدو الصهيوني وفي هذا السياق يجب أن تكون فلسطين هي المحك وكان العرب دائماً يفرزون القوى على المستويين الاقليمي والعالمي على أساس الموقف من فلسطين، فمن يقف مع عدالة القضية الفلسطينية فهو الحليف والصديق ومن يقف ضدها فهو العدو واستناداً إلى هذه الحقيقة فإن إيران لا يمكن أن تكون إلا صديقاً وفياً للعرب وهي الحاملة لراية الكفاح دفاعاً عن قضية فلسطين وقضايا العرب العادلة، ومن العدل أن يتوافق العرب على ألا يجعلوا من إيران مهما كانت هناك بعض التباينات في الموقف منها عدواً لهم لأنها ليست كذلك فهي التي تطالب بإلحاح من أجل استعادة الحقوق العربية إلى أصحابها العرب الشرعيين.‏

وهناك بعض القضايا الأخرى التي من المفترض ألا تشكل عائقاً في مسار المصالحة والتضامن العربي والمتعلقة بالأوضاع الداخلية لهذا البلد العربي أو ذاك، فكل بلد عربي يجب أن يتمتع باستقلالية قراره الوطني وتوجهاته وبقدر ما تتوضح الرؤية حول أهمية دور المقاومة في تحرير الأرض واستعادة الحقوق فإن التوافق سيكون أمتن وأقوى ولمصلحة جميع من يعز عليه استعادة هذه الحقوق العادلة والمشروعة، وبقدر ما يتوافق العرب على ضرورة أن يكون السلام عادلاً وشاملاً ووفق قرارات الأمم المتحدة الصادرة بهذا الشأن بقدر ما يتحقق السلام بقوة العرب والمقاومة والصمود.‏

لقد حان الوقت لوضع استراتيجية طويلة من قبل العرب لمعالجة داء التشرذم ووقف استفحاله ونزع فتيل التشنج ولكي تكون الشفافية والصراحة هي عنوان القمة القادمة الحادية والعشرين لكي يكتب لها النجاح في مواجهة التحديات الحقيقية وليس المصطنعة.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية