تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


تصعيد التطرف الإسرائيلي.. كيف نقاربه؟

شؤون سياسية
الأثنين 30-3-2009
علي الصيوان

ينطوي الحديث عن «تطرف» الكيان الإرهابي الإسرائيلي على مغالطة، بقرينة أنه ليس هناك معتدلون، وأنه لا يستقيم الحديث عن «اعتدال» مقترفي جريمة العدوان الوحشي على غزة، القتلة بدم بارد،

مقابل شد الأنظار إلى «تطرف» التشكيلة الحكومية القادمة، وفيها أفيغدور ليبرمان على رأس الدبلوماسية الإسرائيلية، أياً ما كان حجم الاستغراب من ليبرمان ونتنياهو نفسه.‏

بيد أن الإشكالية الواجبة التعيين، هي الكامنة في أهبة الدبلوماسيات الغربية، وفي الرأس: الأميركية للتعامل مع حكومة نتنياهو، بوصفها «حكومة منتخبة».‏

وبالطبع، فإن لهذا التعامل الغربي مع حكومة كهذه مترتباته الإجرائية، ولاسيما في تسويق مفهوم «الحكومة المنتخبة» تسويقاً ملزماً للأطراف العربية التي تقيم مع «إسرائيل» علاقات دبلوماسية، أو تعقد معها «اتفاقات موقعة».‏

والمحصلة التلقائية لهذا التسويق هي أن هذه الأطراف العربية ستقول بما يقول به الغرب، لجهة التسليم بالتعامل مع هذه «الحكومة المنتخبة».‏

والشاهد هو أن مهندسي اتفاق أوسلو، الذين بحّت أصواتهم في الفضائيات العربية المتأسرلة وهم يدعون شعب فلسطين المقاوم للنزول عند «الاتفاقات الموقعة»، سبق لهم أن حاججوا بأنهم إنما يفاوضون عدواً، لاشأن لهم في تحديد مواصفاته. وأن المفاوضات تجري مع العدو، وليس مع الصديق!. أي إن «ثقافة» مهندسي أوسلو هؤلاء تشكل تربة خصبة لامتصاص استهجان دوائر واسعة في الغرب نفسه من ترؤس عنصري وداعية إرهاب منظم للدبلوماسية الإسرائيلية.‏

ولاريب في أن «ثقافة» كهذه مدفوعة الأجر مسبقاً. و أن هؤلاء المهندسين، على اختلاف مستوياتهم، وتفاوت مسؤولياتهم في حمل أعباء «الاتفاقات الموقعة» لا يخشون أن تعتقلهم قوات الاحتلال، قوات «العدو» كما يصفون بين الفينة والأخرى، مثلما اعتقلت في حملة 18 آذار الجاري قياديين جدداً من حركة حماس، وفيهم نواب للحركة في المجلس التشريعي المنتخب، ويلتحقون برئيس المجلس الدكتور عزيز الدويك، الذي مضى على اختطافه أمد من السنين أفدح من إشكالية الدعوة إلى الالتزام بـ «الاتفاقات الموقعة»!.‏

وهنا مدخلنا إلى تعيين إشكالية التعامل مع حكومة يستوزر فيها ليبرمان دبلوماسياً. فالأساس في إعادة صياغة التسويق الغربي، والأميركي في صميمه، للتعامل مع حكومة إسرائيلية، أياً تكن، بتعريب هذا التسويق، ينطلق من «فلسفة» الارتهان لمشيئة الولايات المتحدة، والميل مع رياحها حيث تميل، وفاقاً لـ «نظرية» الـ 99٪ التي قال بها السادات أول مرة، وأحدث بها خرقاً غير مسبوق في إستراتيجية العمل العربي المشترك.‏

وللوقوف على جسامة هذا الخرق، ننظر إلى سمة النزول في الخط البياني العربي، وفيه الفلسطيني، ومن مستوى العمل لتحرير الأرض المغتصبة في 1948، إلى مستوى المطالبة بحل الدولتين.‏

لقد كان مألوفاً أن تكون في الأول من كانون الثاني كل عام احتفالات فلسطينية وعربية، بذكرى انطلاقة الثورة الفلسطينية، في 1/1/1965، لتحرير ما لم يكن محتلاً من الأرض آنئذ.‏

وهذا العام لم تجر احتفالات، ليس بسبب وحشية العدوان على غزة، وإنما لإخراج هذه المناسبة من الاهتمام والتداول، بقوة انشداد سهم النزول في الخط البياني إلى أسفل.‏

لندقق في محطات هذا النزول. فلقد مر حين من الدهر كان الغرب يطالب فيه القيادات الفلسطينية المتعاقبة: الحاج أمين الحسيني، وأحمد الشقيري وياسر عرفات، بالاعتراف بـ «إسرائيل» والإقرار لـ«إسرائيل» بـ «شرعية» انتهاكها لقرار الجمعية العمومية للأمم المتحدة المرقم 181 للعام 1947، قرار التقسيم، بما في ذلك استيلاؤها بالقوة على أراضٍ ليست مشمولة في المساحة المخصصة لليهود في منطوق القرار المذكور، ثم تواقحت المطالبة الغربية للقيادات الفلسطينية المتعاقبة إلى حد غض البصر عن شرط هيئة الأمم المتحدة المنصوص عنه في قرار قبول «إسرائيل» عضواً في الهيئة، وهو ضمان عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى منازلهم وحقولهم التي اقتلعوا منها في 1948، وتعويضهم (مع التشديد على هذه الواو العاطفة)، عن الأضرار المادية والمعنوية التي لحقت بهم طبقاً للقرار 194 للعام 1949.‏

وكانت مطالبة الغرب، وبخاصة دول «التصريح الثلاثي» للعام 1950، أي أميركا وبريطانيا وفرنسا، للقيادات الفلسطينية الاعتراف بـ «إسرائيل» توضع شرطاً لتأهيل هذه القيادات سياسياً، وللتحادث معها.‏

وللتاريخ: فقد قضى الحسيني والشقيري دون الانزلاق في هذه اللجة. أما بعد شيوع نظرية الـ 99٪ فقد غاص عرفات، ومن معه، بعيداً فيها.‏

ما الذي حدث؟ وهل في وسع قمة الدوحة العربية الحادية والعشرين، أن تقارب تسارع النزول على هذا الخط البياني الذي حدث باختصار، إن إستراتيجية التحرير الفلسطينية قد تبددت بقوة مقصلة العدوانية الاسرائيلية، التي تسلحها أميركا بما يجعلها متفوقة على العرب مجتمعين.‏

ومما ساهم في نخر إستراتيجية التحرير الفلسطينية هذه، قوة الدفع السلبية في مقولة العرب: «نقبل بما يقبل به الفلسطينيون»، المقولة التي ازدهرت على مجرى «نظرية» الـ99٪.‏

أما العامل الأهم في المسارعة نزولاً على الخط البياني العربي، وبخاصة الفلسطيني، فيتجسد في اصرار الدول ثلاثية التصريح المذكور 1950، اصراراً عنيداً على أن تقمع بـ «الفيتو» في مجلس الأمن أي دعوة من العرب، مسنودة بالمجتمع الدولي، لالزام «اسرائيل» بالامتثال لضوابط الشرعية الدولية. وقد استجاب المؤمنون بهرطقة الـ99٪ لهذا الإصرار الأمريكي بصفة خاصة، فانقلب مفهوم «المجتمع الدولي»في خطابهم رأساً على عقب، لينحصر في دولة الولايات المتحدة وحدها، دون بقية دول هيئة الأمم المتحدة ووكالاتها المختصة، ودون الدول التي صاغت وأقرت قرار الجمعية العمومية للأمم المتحدة 3236 للعام 1975، القاضي بصون حقوق فلسطين، وفيها حق تقرير المصير، وتوصيف هذه الحقوق بأنها غير قابلة للتصريف.‏

والمثير للدهشة في تجويف مفهوم «المجتمع الدولي» على هذا النحو، ينبعث من مطالبة مهرطقي «نظرية» الـ99٪ للتيار المقاوم في شعب فلسطين بالقبول بـ «حكومة وحدة وطنية فلسطينة» يمكن أن يتعامل معها «المجتمع الدولي»، (أي أمريكا حصراً)، وذلك بعد الاعتراف بـ«اسرائيل»!.‏

وفي الطريق إلى الدوحة، فإنه في وسع هذه الأمة، بما هو متاح أمامها من متغيرات في البيئة الاقليمية والدولية، أن تراجع عدداً من المفاهيم، وترسم ما يجب من سياسات، كي لا يأتي اليوم الذي تنعقد فيه لقاءات عربية مع داعية ترحيل عرب الأرض المحتلة 1948، وهو يعرض برنامجه لقصف غزة بأسلحة نووية تكتيكية، وقصف ايران بأسلحة نووية استراتيجية، وتدمير السد العالي في مصر، وهو مطمئن إلى اساءة استخدام دول التصريح الثلاثي لحق «الفيتو» في مجلس الأمن، وفق الذريعة المكرورة: حق الدفاع عن النفس!!!!. فهل تتسع المراجعة العربية لمحطات سمة النزول على الخط البياني العربي، ومن أجل إيقاف هذا النزول؟ Siwan.ali@gmail.com

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية