تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


الصحافة الإسرائيلية.. بأوامر من القادة.. قتلنا ودمرنا.. هآرتس : حاخامات الجيش حرضوا على قتل كل من هو غير يهودي ... عامي أيالون: الجيش الاسرائيلي لايملك ثقافة التحقيق في معضلات أخلاقية

ترجمة
الإثنين 30-3-2009م
إعداد وترجمة :أحمد أبو هدبة

في وقت تتوالى فيه دعوات المنظمات والمؤسسات الحقوقية الإقليمية والدولية في العالم بضرورة التحقيق في جرائم الحرب التي ارتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلي

أثناء العدوان على غزة ،تأتي الوثيقة العسكرية التي نشرتها صحيفة هآرتس والتي تضمنت تعليمات للجنود الإسرائيليين في قطاع غزة بإطلاق النار على طواقم طبية ومدنيين عزل من أطفال ونساء وعجز ، وما كشفته الصحيفة نفسها بعد ذلك من شهادات لضباط وجنود جيش الاحتلال يجاهرون خلالها بالكثير من عمليات القتل المتعمد التي ارتكبوها بحق المدنيين الفلسطينيين واعترافات صريحة وخطيرة بارتكاب جرائم حرب من قبلهم، وبأوامر مباشرة من قادتهم العسكريين خلال تلك الحرب ، لتؤكد مجددا أن القتل يمثل ثقافة وسلوكاً لدولة أسست كيانها وكرست وجودها على هذه الثقافة ، ولتضيف في الوقت نفسه ،صفحة جديدة في سجل الجرائم والمذابح الكثيرة والفظيعة التي ارتكبها زعماء الكيان الإسرائيلي السياسيين والعسكريين بحق العرب والفلسطينيين على مدى سنوات الصراع مع هذا الكيان، فالتدقيق في سجل جيش الاحتلال على هذا الصعيد يظهر بكل تأكيد ،انه ما من جيش في تاريخ البشرية قد ارتكب جرائم حرب مثلما ارتكبه جيش الاحتلال الإسرائيلي.‏

فالاعترافات العلنية والفظيعة التي كشفت عنها هآرتس مؤخرا شملت اعترافات لجنود وضباط مارسوا مهنة القتل بدم بارد ضد العزل المدنيين لسبب واحد ووحيد أنهم « أغيار» وفلسطينيون على وجه الخصوص ولعل أخطر تلك الاعترافات هو ما أدلى به بعض الجنود بأن منشورات كتبها حاخامات يهود، تحرض على القتل وتثير الأحقاد على كل ما هو غير يهودي، كانت وزعت عليهم، إذ أشار أحد الجنود أن تلك المنشورات احتوت على : رسالة واحدة واضحة: نحن أهل إسرائيل وصلنا إلى البلاد بمعجزة تقريباً، والآن علينا أن نقاتل لاجتثاث غير اليهود..!.‏

وقد دللت شهادة أو اعتراف قائد وحدة في سلاح المشاة، بقتل امرأة فلسطينية مع وليدها بمدفع رشاش قتلاً متعمداً،على تعطش جنود الاحتلال لسفك الدم ،أو كما يعترف جندي أخر :بقتل امرأة فلسطينية مسنّة كانت تسير في الشارع وحدها، على رغم أنها لم تكن تشكل أي خطر على الجنود الإسرائيليين! ومن تلك الاعترافات أيضاً، ما ذكرته الصحيفة من أن الطيارين الإسرائيليين كانوا يتعمّدون استهداف بيوت المدنيين، ومن دون تحذير سابق للسكان، خلافاً لادعاءات الجيش الإسرائيلي!.‏

والأخطر من ذلك كله ،ما جاء في تعليمات حاخامات جيش الاحتلال التي تدعو صراحة «لاجتثاث غير اليهود»، حيث إنها تحمل في طياتها تهمة خطيرة في القانون الدولي تسمى تهمة «جريمة الابادة»، حسب المادة 6 من نظام المحكمة الجنائية الدولية، ولعل هذا ما حدا بالجنود إلى الإسراف في القتل، حيث وصف أحد الجنود مشاعره بقوله:ما شعرته هو الكثير من العطش للدم». وإذا كانت هذه التعليمات قد وزعت في نشرات رسمية من قيادة جيش الاحتلال كما تدل على ذلك شهادة الجنود والضباط الذين ارتكبوا جرائم حرب فتهمة «جريمة الابادة» التي تعد أخطر جريمة في عالم القانون الدولي اليوم - يجب أن تلاحق إسرائيل رسمياً، حيث أن جيش الاحتلال مؤسسة رسمية يمثل دولة (إسرائيل) في كل ما يقوم به، تماماً كما كان جيش ألمانيا النازية إبان الحرب العالمية الثانية.وإذا كانت التهمة تثبت في القانون الجنائي إما بالاعتراف أو بالبيّنات - بما في ذلك الشهادات والشهود - أو بالقرائن، فإن الأدلة المتوفرة في حرب الابادة على غزة قد جمعت هذه الطرق الثلاث جميعاً، ولم يبق سوى جمعها وتوثيقها ومن ثم تقديمها الى المحاكم المختصة.‏

وكانت صحيفة هآرتس قد نشرت قسما ضئيلا من الشهادات مشيرة إلى أن الجنود أدلوا بشهاداتهم خلال مؤتمر عقدته المدرسة العسكرية المسماة «رابين»التابعة لأكاديمية «أورانيم»في مدينة صفد شمال فلسطين في 13 شباط الماضي. حيث شارك في المؤتمر المذكور عشرات خريجي المدرسة العسكرية، الذين يخدمون في الوحدات القتالية في جيش الاحتلال الإسرائيلي، وشاركوا بصورة فعالة في عملية «الرصاص المسكوب» على قطاع غزة.‏

وبحسب هآرتس : تحدث في المؤتمر طيارون مقاتلون ومقاتلون في ألوية سلاح المشاة. وكانت شهاداتهم من ميدان القتال مخالفة جدا لادعاءات جيش الاحتلال وقادته الميدانيين ، وكأن القوات حرصت خلال العملية العسكرية على أخلاقيات قتالية عالية في جميع الجبهات. او كما يدعي وزير الحرب باراك بان جيشه الأكثر أخلاقية في العالم .‏

وأظهرت النشرة شهادة أخرى فظيعة أدلى بها قائد إحدى الوحدات التابعة لسلاح المشاة حول مقتل سيدة مع طفليها قائلا : كان هناك بيت وبداخله عائلة... واحتجزناهم في غرفة، وبعد ذلك غادرنا البيت ودخله فصيل آخر. وبعد مرور عدة أيام على دخولنا صدر أمر بإخلاء سبيل العائلة. ونصبوا في أعلى البيت موقعا عسكريا لمدفع رشاش. وأخلى قائد الفصيل سبيل العائلة وقال لهم أن يتجهوا لناحية اليمين ولم تفهم إحدى الأمهات وولديها وساروا لناحية اليسار. وقد نسوا إبلاغ الجندي عند المدفع الرشاش الذي على السطح بأنهم أخلوا سبيلهم وأن الأمر سليم وينبغي وقف إطلاق النيران.... ورأى الجندي عند المدفع الرشاش امرأة وولدين يقتربون منه وتجاوزوا الخط الذي قالوا له إنه يحظر على أي كان الاقتراب منه. وهو أطلق النار مباشرة عليهم. وعلى كل حال فإن ما جرى هو أنه ببساطة قتلهم...وأضاف ،لا أعرف كيف أقول ذلك... إن حياة الفلسطينيين، دعوني أقل، هو أمر اقل أهمية كثيرا كثيرا من حياة جنودنا، وهم يبررون ذلك على هذا النحو. وتحدث قائد الوحدة العسكرية عن كتابة جمل على الجدران مثل الموت للعرب وأخذ صورة لعائلة فلسطينية والبصق عليها وإحراق كل شيء يذكر بالعائلة الموجودة هناك. وهم يقومون بذلك لمجرد أنه بالإمكان فعل ذلك، وأعتقد أن هذا هو الأمر المركزي، أن ندرك أن الجيش الإسرائيلي سقط فيما يتعلق بالمسألة الأخلاقية... هذا حقيقي. ومهما تحدثنا عن أن الجيش الإسرائيلي هو جيش أخلاقي، دعوني أقل إن هذا ليس ما حدث في ميدان القتال وهذا أكثر شيء أتذكره».‏

وعن ردود قادة جيش الاحتلال حول هذه الشهادات ،قال مدير المدرسة العسكرية لهآرتس إنه لم يعرف مسبقا ما سيقوله الجنود خلال المؤتمر وأن مضمون أقوالهم «صدمنا» وأنه حذر رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، غابي أشكنازي، في أعقاب ذلك من «التحسب بحدوث فشل أخلاقي خطير في الجيش الإسرائيلي».‏

فيما أصر رئيس أركان جيش الاحتلال غابي اشكنازي على «أخلاقية جيشه» مقرا من الجانب الآخر حدوث بعض الأمور المشابهة في بعض الأحيان .‏

وقال رئيس الشاباك الأسبق وقائد سلاح البحرية الإسرائيلي الأسبق، عامي أيالون، معقبا على شهادات الجنود حول ممارساتهم خلال الحرب على غزة وأعمال «القتل بدم بارد» بحق المدنيين الفلسطينيين، إنه لا توجد لدى الجيش الإسرائيلي ثقافة التحقيق في معضلات أخلاقية. ونقلت هآرتس عن أيالون قوله إنه لا توجد لدى الجيش الإسرائيلي أدوات أو ثقافة لتنفيذ تحقيق في معضلات أخلاقية.‏

اما الصحافة الاسرائيلية فقد أفردت حيزا كبيرا في تحليلاتها حول هذا الموضوع كان الصحافي في معاريف ، عوفر شليح الأبرز والأكثر صراحة في تسمية الأشياء بمسمياتها فتحت عنوان «تلقينـا أوامـر.. نفذنـا الأوامـر» كتب مقالا مطولا حول ثقافة الموت لدى جيش الاحتلال في معاريف يقول : الاتهامات بالجملة لإسرائيل باقتراف جرائم حرب، وهو ما فسّر عندنا على أنه مظهر آخر من مظاهر اللاسامية ودفعت الجيش والمجتمع من حوله لحشد القوى في دائرة الدفاع في مواجهة الخارج. ورأت أغلبية ساحقة من الجمهور أن العملية مبررة، أما من شكك في إدارة المعركة فإنه اشتكى في الغالب من رقة مبالغ فيها ووقف للعملية قبل أوانها.‏

أما شهادات الفلسطينيين التي وجدت طريقها إلى الصحافة الأجنبية، فقد اعتبرت عندنا نوعا من الافتراءات. وقصص العائلات التي ثكلت بالعشرات من أبنائها، وقصص إطلاق النار بدم بارد على أناس كان من الواضح تماما أنهم أبرياء، بل حتى صور التخريب المتعمد التي ظهرت في القنوات التلفزيونية الإسرائيلية، كلها أبعدت عن الذاكرة بوصفها مؤامرات لإعلام معاد. والتفسير بأنه «هكذا هي الحرب» والإنكار الشديد استقبلا برضى: ففي الوعي الإسرائيلي، لا نقاش في أن الجيش الإسرائيلي هو الجيش الأكثر أخلاقية في العالم، وأن الذنب في قتل الأبرياء، إذا حدث، يقع فقط على كاهل حماس، الذي اعتاد الاختباء بين المدنيين.‏

وقبل حوالي شهر اجتمع في إعدادية رابين العسكرية، الواقعة في كلية أورانيم، طلاب الإعدادية وعدد من الضيوف: وهم متخرجون من دورات سابقة، شاركوا كمحاربين وكضباط في «الرصاص المسكوب».‏

وكان هناك ممثلون لجميع ألوية المشاة، طيار واحد، بل كان أيضاً أحد رجال مكتب الناطق بلسان الجيش. وإعدادية رابين العسكرية هذه موجودة منذ أحد عشر عاماً، وكانت بين أكبر وأبرز الإعداديات العسكرية العلمانية .... وتحدّث المتحدثون بحرية. ومن تسجيل الوقائع كما نشر هذا الأسبوع في نشرة الإعدادية، يتبين أنه بالتدريج، وكلما تعاظم الذهول بل والغضب من حولهم، شرع قسم منهم في فهم ما يقومون بوصفه. واشتكى قسم منهم على ما رأى، لكن أغلبيتهم أحست بأن هذا ببساطة ما جرى: هذا ما نقلته لهم القيادة، هذا ما فعله الناس المحيطون، وكل من يتنكر لذلك هو ببساطة لا يعرف الحقيقة. وهذه هي الحقيقة كما تبدّت في الشهادات: الجيش الإسرائيلي استخدم في «الرصاص المسكوب» سياسة إطلاق نار مترفة، اعتبرت درساً مناسباً من رخاوة حرب لبنان الثانية. وفي إطارها، فإن كل من يتبقى على الأرض التي يدخلها جنود الجيش الإسرائيلي بعد النيران الأولية ومناشير التحذير، والأمر كما هو معلوم يتعلق بمناطق مدينة مكتظة، يتحمل مسؤولية نفسه. وبالفعل فإنه في العديد من الحالات الموصوفة أطلقت النار على نساء وأطفال، كان بالوسع تشخيصهم بوضوح أنهم لا يشكلون خطراً على القوات. والأدهى أن مطلقي النار وقادتهم لم يفكروا أن في هذا خروجاً عن القواعد، أو أنه يجب التفكير فيه أو يتطلب الإبلاغ.‏

ببساطة ، ما جاء في شهادات جنود جيش الاحتلال من اعترافات صريحة بالقتل المتعمد والتدمير المنهجي والحقد الأعمى ، تدلل بما لا يدع مجالا للشك ، ان هذا الجيش يستمد ثقافة الموت من الثقافة العنصرية الصهيونية والأساطير التوراتية القائمة على كره الآخر التحريض على قتله وتدمير ممتلكاته ونفيه من الوجود.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية