تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


جوائز احتفالية دمشق...غياث المدهون ..الكلمات في مهمات أخرى

رسم بالكلمات
الأثنين 30-3-2009
ابراهيم حسو

لا يمتلك غياث المدهون صاحب مجموعة ( كلما اتسعت المدينة ضاقت غرفتي ) الكثير من مناخات شعرية وفق تحولات اللغة لديه ,

فالهوس بتسوير ( الكلمات ) لا تتوقف و لا تعرف الاستكانة و الهدوء , فالكلمات تكرر نفسها إلى درجة الاستنساخ , و ما بين تحّول اللغة أو تجّذرها و تكرارية المفردة ذات الدلالة الواحدة , تبرز التواترات الصوتية و الإيقاعية بين تعاقب الكلمات نفسها , و تكتشف الظنون و الاستبهام ما بين الداخل ( الذات ) و الخارج ( الموضوع ) و ما بين اللهاث وراء تصنيع الصورة و بين الإحساس بها و التوغل في شريانها .‏

مهمة قصيدة التفعيلة إنها لم تعد تهتم بالتوصيفات الشكلية للنص, و إحاطتها بحدثها و موضوعها و إنما البحث و التنقيب على ما تحملها من طاقة شعرية مدفونة مرتجفة و على الدوام , و بتحويل ( الكلام المّشفر) الى شلالات شعورية مصطكة و مشتعلة كأنها جاءت عبر مخيلة مصغية و مستنفرة تنتزع الشارد و الوارد من النص , في تدبير يعقلّن الكلمات ( النائمة ) و يجعلها أكثر انتفاضة و استبصارا , كلمات تبصر و تتذوق و تسمع صدى هسيسها من برهة أعماقها :‏

يصعبُ التفريقُ بين الحلمِ واللاحلمِ بين الموتِ والقتلِ وبين اللفظِ والمعنى ... وبين الذَّاتِ والمرآةِ‏

لا فرقٌ ... كبيرٌ لا اختلافٌ ...قاسمٌ مشتركٌ بين نقيضينِ مرايا ... عاكستْ فينا المرايا .‏

من خلال نص ( المرايا ) وقد أخذت اغلب صفحات الكتاب , تدعو غياث إلى فك الارتباط بين ما هو شعري حياتي ظاهري, و ما هو كوني إنساني عميق من خلال تجربته مع الكتابة الجديدة باعتباره شاعرا تسعينيا , استفاد من تحولات تجارب جيله و بدأ يقدم اقتراحات نصية قوامها كتابة مفتوحة على شعرية سابقة و طرق تعبيرية مستحدثة ( المشهدية السينمائية ) العين في كل الزوايا, و ( خربشة الألوان ) و ما يحققه التمازج و التزاوج بين الأبيض و عكسه و حركات السرد التي أحيانا تبطئ من مشوار الإيقاع إلى كماله :‏

ماذا تريدُ...؟ أريدُ أنْ أتقمَّصَ السفنَ الغريقةَ... كي أُحسَّ بنكهةِ الملحِ المعتَّقِ في الخشبْ‏

وأريدُ أنْ أرثَ البيوتَ بساكنيها ذكرياتِ خزانةٍ... وأنينَ تخْتٍ مشجباً...‏

وهمومَ كرسيٍّ قديمٍ.. كي أرى دفءَ المنازلِ عن كثبْ .‏

ولعل نص ( في الليل ) الذي احتفل به الكتاب , يعد من النصوص الحماسية ذات النبرة الصوتية الرطبة , فاتحاً بذلك طريقاً إلى الكتابة ( النفخية ) التي لا تمتع و لا تشد القارئ إلى محرقتها , كتابة لا تتطلب الرجوع الى الكلمات و غسلها من بلاغتها و ألباسها ثياباً من جميع الألوان , الإيقاعات تصطدم باللغة , فتجتاز الشعر ولا تعيره انتباهاً .‏

( كلما اتسعت المدينة ضاقت غرفتي) هو الكتاب الثاني لغياث المدهون بعد (سقط سهوا) وجميع قصائد الديوان كتبت بين عامي 2003 و2006 وجميعها قصائد تفعيلة وسيصدر له كتاب قصائد نثرية قريبا في بيروت. يقول غياث عن نص التفعيلة: (هناك موروث كبير عند الآخر فالموسيقا صارت جزءاً كبيراً من موروث الآخر بالإضافة إلى القافية والغنائية ما يساعد الشاعر على التعبير بطريقة سهلة أما إذا أردت أن تكتب قصيدة نثر فعليك أن تكون بمعزل عن الموسيقا والغنائية والقافية وبنفس الوقت بمعزل عن الموروث الموجود عند المتلقي فيجب على الشاعر أن يمتلك قوة هائلة لإيصال قصيدته للمتلقي ) .‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية