تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


إصدار أول...حلـــول لمفـــردات العــــالم

رسم بالكلمات
الأثنين 30-3-2009
رولا حسن

أو تعرفين / ثمة ذهاب فيه

يستريح المتعبون / حيثما الذهاب جسد‏

ومستراح ولذة / وبعض مما لديك‏

هكذا يذهب يعرب الخضر في مجموعته الأولى ( هكذا حللت وظيفتي) الصادرة حديثا عن دار التكوين 2009 دمشق فيكتب قصيدته (عالمه) بكثير من الاقتصاد اللغوي والتشذيب بكثير من السرد الزائد أحيانا أخرى ملتقطا تجربة الحياة المحيطة بكاميرته الخاصة لقطات سريعة ومختزلة وعميقة في أحايين كثيرة.. ولأن:‏

الحقيقة / جسد بلا نوافذ‏

وشرفة لا تطل / على شيء‏

نكتشف أن سياقات عباراته ومقاصده التعبيرية ترتكز على البؤر التعبيرية نفسها، فهو لا يتوقف عن بث الإشارات عن مشاعر مختلفة يبطنها الحب وكأن الخذلان والخسارة والإخفاق ،أسياد المعنى مكتشفا العالم على اتساعه:‏

صغيرا أيها العالم / خلاياك / مثقلة بالوهم‏

وذلك من حساسية شعرية مختلفة يؤسس من خلالها حداثته الخاصة، تلك الحداثة التي تعني «الوعي بالذات بالزمن» هذه الذات التي قد يحل العالم بديلا عنها بحيث تتلاشى تماما ليصبح الحضور المهيمن داخل النص لمفردات العالم لا لمفردات الذات.‏

هل مررت بالسنابل المطفأة؟ / هل أوقدت منها‏

لونك الزعلان؟ / المتة وخلطة الاعشاب‏

وسارتر / بين الرشفة / والأخرى دخان.‏

تبدو القصائد مشغولة ومؤسسة على الهم الوجودي ذي الجذور اليومية، أما اليومي الذي ترتكز عليه القصائد فهو اليومي المعاد انتاجه تخييليا بعد القبض على جوهر بطانته الداخلية، بمعنى ماتتبدى الفانتازيا التي تغلف القصائد ذات مصدر معلوم ومحدود.‏

إضاءة عاديات الحياة الشخصية وهموم الروح هو الباب الذي دخل منه يعرب بخفة إلى القصيدة، وتفاصيل الحياة العادية العابرة هو ما برع في طرحه، فحاول أن يقدم العادي بل شديد العادية بجرأة وثقة، كاسرا مجازية النص الشعري الأسبق غير عابئ بإنجازه اللغوي فيطرح أسماء الأشياء التي يعايشها يوميا ومختلف التفاصيل اليومية الصغيرة كما لو أن هذه الأشياء في حد ذاتها أو في تقاطعها بالفعل اليومي قادرة على الشهادة الطبيعية على الممارسة الحياتية.‏

قصيدة الثامنة صباحا‏

الشارع / حيث المبتسمون جدا/ يحزنون جدا عند لقائهم الودي جدا «السرفيس» حيث النزق جدا/ يدير مراياه نحو الفراطة المتناثرة جدا/ على المقاعد الصغيرة جدا.‏

وهنا.. يلعب يعرب لعبته في اختيار عناوين القصائد ليجعل منها بوابة لدخول عالمه الشعري وعالم القصيدة.. وعالم ذاكرته الشعورية والبصرية (دورة لغة- وظيفة- الثامنه صباحاً.. تأخير- حديث المدينة.. الخ).‏

يتخلص الشاعر في ( هكذا حللت وظيفتي) من المسوخ الزائفة للرائي والعراف.. والكاهن.. التي استهلكتها القصيدة الحديثة ليرتدي بدلا عنها مسوح اليومي والمعاش:‏

أحبتي/ أولئك من أخذوا أسئلتي/ وأعطوني طريقا/ صنعوا من عثراتي سياجا/ وجسر عبور.‏

وهكذا تتأسس القصيدة لدى الشاعر، فهو لم يعد في حاجة لتأسيس شعرية الواقع، بل أصبح عليه أن يكتشفها فقط لأنها ليست منتفية بل موجودة بالفعل ، وما يغيبها عنا أنها تندرج داخل علاقات غير شعرية وهنا يشارك يعرب كشعراء قلائل سبقوه، في طرح مفهوم جديد للشعر وهو أنه «أي الشعر» لم يعد فعل خلق بل صار فعل اكتشاف وهنا تلعب اللغة دورها في النهوض من ركام الذاكرة وفوضى الأشياء في عالم فاجع ليؤسس لخصوصية قوله فيقدم العالم و الأشياء بعلاقات مختلفة ومن زوايا متعددة.‏

حديث المدينة / الجو البارد / التراث / ابن الأثير‏

والأصابع المذمومة / في حارتنا / فقط لأنها‏

تحب اللمس / والتشابك والتلاحم / والانطواء‏

يكتب يعرب عزلة الذات ووحدتها ،و ضجرها في عصر الأنترنت، وفي مواجهة سائر الميكانيزمات القمعية الكبرى سواء أكانت دينية أم أرضية تطول الجسد وفضاءاته، وهنا نجد الشاعر يركز على تحطيم التابوهات على مختلف أنواعها ويمكن تلمس ذلك من خلال حزمة الثنائيات التي تنتشر في القصائد ويستدل على ذلك من خلال الأفكار التي تفوح منها.‏

بعض القصائد تبدو مقسمة إلى مقاطع أو نتف صغيرة وهذا حولها إلى شظايا أدت هي الأخرى إلى تجاوز كسور الذات وشظاياها المتفرقة وذلك بالمقابل لايعني انشراخها بل على العكس انزاحت ظلال كثيرة لتجمعها وتحافظ على وحدتها وكمالها معبرة بطريقة أو بأخرى عن وعي الانفصال عن العالم لا عن وعي الاتصال به (هوامش- آدام وحواء.. الاصدقاء الخ).‏

حلَّ يعرب الخضر وظيفته.. وإن كانت الأخطاء قليلة.. فالاجابات الصحيحة كانت دائما إلى جانب الشعر.. وهذا الأهم..‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية