|
آراء كل نأمة كل وقفة كل رفة رمش، لها تاريخها وحكاياتها ولأننا ديمومة لذلك التاريخ، وتلك الحكايا، نستقبل الوافد بلهفة، ونظل نتوق، نحتفظ، نصطفي ماراح بأمانة ودقة. شيء مايشبه المباغتة، يشبه التنبه، يشبه الحضور المختل، أحسسته وأنا ألمح ذرات الماء الصباحية، كأنها الحلم المعتق، المفاجىء والملتاع، صاحب الخصوصية، وقد تحول إلى سيول تغمر البيوت، تغرق الحافلات، تجرف البشر والحجر، لنتلقى بعد قليل أنباء مبعثرة عن الكوارث والضحايا والخسائر التي اقترفها الماء بحق العالم. لا أدري- لماذا شبهت المطر في حالته الكثيفة تلك، بالحب الوبائي، الذي ينقلب إلى ضده، عندما يزيد عن حده، يهدم العامر، ويقتل النسغ، ويأخذ في طريقه كل شيء. نظرت إلى الهدير، صاحب العباءة الثقيلة، فرأيته هائماً، مابين أديم السماء، وأديم الأرض، مجنوناً يغامر بحضن الذرا، أملاً بحضن الينابيع، كيما يعلن انبثاقه في ربيع قادم. «خير .. إن شاء الله خير». رفع فلاح يديه إلى السماء شكر الباري على فضله، وفي عينيه حنين إلى مزيد من الارتواء، يغسل السراب، ويجرفه إلى أماكن اختارتها له الريح تضرب الريح شجرة جيراننا بصفعات قوية، شغوف إلى عبث ومهادنة، لتكسر جل أغصانها التي كانت قبل يومين تقف بكامل أناقتها وقيافتها الجميلة. في خضم المعمعة، تناهى إلى مسمعي ماقالته الريح،وما أجابت به الشجرة: -«لابد أن تحني رأسك ذات يوم.. تأثيري لايقاوم». -«من عاش عظيماً، يصعب عليه إخفاض الرأس». في ذلك اليوم الغريب، ناءت الملاذات بأحمالها.. أوكاراً، وأعشاشاً، وبيوتاً، وانصرف بعض الورى إلى الدنيا يغذون السير، يتدثرون بأول النشيد، كما تتدثر الدنيا بمتناقضاتها، يحفظون منه البداية وأول الكلام، يقفون تحت مظلة حروفه، وفواصله، ونقاطه، وإشارات تعجبه واستفهامه يتململون، وقد هرول الوابل إلى أعماقهم، غيرمستأذن، وغير منتظر، وغير آبه بجدار التقاويم: «في يوم كذا يقبل الصيف، وفي يوم كذا ينتهي الخريف، في يوم كذا سعد الخبايا، وفي يوم كذا السعود». هذا هو قول العارفين بالأنواء والأنباء، والأخبار والأرصاد الجوية.. واستناداً عليه نهيىء أنفسنا نرتب بيوتنا، ومساحات حياتنا، كيف لا؟ والتقاويم رموز الزمان، قاعته، حضوره وغيابه ولهفة فصوله التي تخرج من خاصرة الأرض، وتقبل من ثريات السماء، ممهورة بالخضرة حيناً، بالصفرة حيناً، بالبياض حيناً. أي دهشة قادمة مع بداية هذا اليوم.. مسرفة الوئام والخصومة، تقلب في مواقدنا ألف سؤال، يفرح ويحزن معاً.. ولِمَ الحزن؟؟ الآن المراكب أتت مستعجلة هذا العام؟ لاضير.. فقد تتبدل المعايير، و تتغير بدهيات الأشياء، وتفر المسلمات من بين الأصابع عندها علينا أن نكون لها، فنعيد ترتيب الأوراق، نعدل ألوان المدارات والأبراج، نسلطن على صوت موسيقا ذات ترانيم جديدة، وقد وضعنا في الحسبان شتاءات أخرى أكثر دهشة.. ربما تكون قادمة على الطريق. |
|