تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


الحنينُ الطِّفلُ

آراء
الإثنين 30-3-2009م
حسين عبد الكريم

حنينٌ طفلٌ واحدٌ نعثر عليه عند مفترق حارات العمر الأولى،.

نحتفظ به ونرتِّب عُمرهُ.. ثمَّ يضيع في زحمة المكان والزمان والدروب والحياة، كما تضيعُ ابتسامةٌ نكرِةٌ في مهرجان ضحكات...‏

لكنَّ الحنين الذي بمرتبة طفل، ليس نكرةً، بل معرفة، ولائق به التعريف. ولا تحتاج مفرداته الصبايا الى عروض وإعلانات والكثير من الدعاية، حتى تغدو معلومات ِ الحنين المشهورة.. إحدى الحسناوات أخذها مدُّ الأيام إلى أبهَّات الضفاف، وتاهت بأهوائها الأشرعة والبحيرات وضجّة السفر والغياب،.‏

أمس وقفت أمام باب نعاسها وراحت توقظ حلماً حنوناً طفلاً...‏

-لماذا تقلقين بحثاً عن أساور ضيّعتها عند عتبات الدروب الأولى؟؟!‏

-مع تلك الأساور ضاع حنينٌ، كنت احتفظت به من أميّ.‏

-أمك لم تزل حيًّةً، ويمكنها إعطاؤك البديل؟!‏

-الأحلام النادرة تُعطى مرّةً واحدةً، والحنين الطفل واحدها وسليل عائلة الدَّهشة والمسرّات، غير الداخلة في اعتبارات الرسوم والتصديق والرفض....‏

نهاية كل اشتياق تلوذ باستراحات عمرها المهجورة كراع يُفتش في دفتر الريح عن أغانيه .. وهل يهتدي الراعي إلى الأغاني المضيعة؟ وهل تهتدي الحسناء إلى حنينها المهجور؟ ربما تعيد استصلاحه كالمزارع الذي يهدم حافات العطش واليباس ، لتنبت بعدها الشجرات ونهدات الأرض..‏

أحبّت ومات مستقبل الحبّ في مهده..‏

وحاصرتها القسوة والتعاسات وصرخات العيش واختناقات الأيام الشبيهة بـ خناق الدجاج، الذي يسلب من الأجنحة الهمة، ويستبدلها بالتهدل والضعف..‏

والذين يقفون أمام موت حبهم البكر، يختنقون بـ خناق اليأس وفقد الثقة، التي بين القلب ونبرة جريانه..‏

أحبت وانطفأ قنديل الحب ، ولاذت بعتمة الزواج غير الحِّبي، وتطاولت على رؤاها الأنثوية الطفلة أنامل الزواج المتوحشة..‏

امتلكت بيتاً وبيتاً تالياً وطابقاً في ( فندق) وعثرت على زوج أول ، وزوج ثان ضخم المنكبين صاحب أملاك ، لكنها لسوء طالعها لم تعثر على حنينها الطفل..‏

البارحة وقبلها نزلت إلى الساحة القديمة والشوارع المعبَّدة باسفلت الذكريات والمتروكات ، لكنها لم تلتق بأكثر من شبح وتهويمات عطر، وتحيات غدت مهملة مثل بائع عجوز ، استقال من الحاجات إلى الخيبات.‏

بين البحر وباب بيتها عشرات الخطوات..‏

وبين عيني وجدها وزرقته ألفة وأسئلة وتأملات ، وبينها وبين حيطان عمرها الأولى ملتقيات وانحناءات وبينها وبين أمِّها مؤلفات توق وطفولة راعفة من كثرة الإحباط ... وبينها وبينها ثقة مهدور دمها ، تود استردادها ، لتعيد تأليف الحنين المفقود...‏

وتأليف حنين طفل واحد أصعب من أصعب التأليفات!‏

لكن لابد من العثور عليه أو الاهتداء إلى مستراحه أو إعادة تأليفه..‏

من غير وجد حيٍّ تموت الرؤى اليانعة كما تموت زهرة الروح المثقلة بهلاكها.. وهلاك روحي واحد يحتاج حياة مديدة حتى يترمَّم ويترتب جدول قيامة الكائن..‏

الحسناء وغيرها حسناءات أضعن أوراق حنينهن ، وصرن بلا ثبوتيات أحلام وتمنيات..‏

وتحت ثقل الضياع يتهدم الجسد ويتلوى قوام البريق أمام حجم العتمة وضجة الخراب الروحي..‏

ورجال حسنون وغير حسنين يُتلفون سند حنينهم الابتدائي ، وبعده يتلفهم فشل دروسهم الاعدادية والثانوية والجامعية والاساسية ، ويصرون مثل قارب مخلعَّ وبوصلة من ضباب..‏

بعد حنينها المفقود نتعذب طويلاً ، حتى نتعلم الاهتداء إلى ضفة وجداننا ، ونغترب كالمشردين وراء حياة تالفة من شدة بؤسها..‏

لابد أن نعثر من جديد على الحنين الطفل، الذي لا يشيخ بتقدم الثمر..‏

ولابد للحسناء التي أضرم القهر النار في حقول جسدها وروحها أن تتعاون مع صفائها وتأملاتها لتؤلفه من جديد...‏

وحدها الثروة التي لا تهلك ،‏

أحلامنا المؤجلة ، رغم صلاحيتها للاستثمار ..‏

الجيد في أمرها أنها غير محرومة من أحقية البقاء بأمان واطمئنان.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية