تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


أميركا على طريق الإخفاق

لوموند
شؤون سياسية
الأحد 19/2/2006م
ترجمة سهيلة حمامة

بعد انقضاء أربعة أعوام على أحداث الحادي عشر من أيلول, يمكن تحليل السياسة الخارجية للولايات المتحدة من خلال الأسئلة التالية:

إلى أي مدى هي ناجمة عن الثقافة السياسية الأميركية? وإلى أي مدى تحددها ظروف الرئيس الحالي وحكومته? وما ردة فعل إدارة بوش على أحداث الحادي عشر من أيلول كاستمرار لتقاليد السياسة الخارجية للبلاد? تاريخياً, يتوجه الأميركيون باتجاه أحادية معينة عندما يجدون أنفسهم مرغمين على ذلك, والمثير في الأمر أنه لم يتم اتخاذ القرارات الهامة لسياستهم الخارجية منذ الحادي عشر من أيلول من خلال تقييم حقيقي لهذه التقاليد وإنما تحت ضغوط أو متطلبات غامضة.‏

فبعد الاعتداء مباشرة على برجي التجارة العالميين في نيويورك ترك الأميركيون الرئيس بوش يقودهم كيفما شاء, وكانت الأمة مستعدة لقبول المخاطر والتضحيات الجوهرية, لكن بعد سقوط نظام طالبان قامت هذه الإدارة باحتلال العراق بحجة علاقته بالقاعدة, ثم تبين لاحقاً كذب هذه الحجة كما نفرت الإدارة معظم حلفائها, إذ التزم العديد منهم في استراتيجية ضغوط دبلوماسية ضد النفوذ الأميركي, وتأجج الشعور المعادي للأميركيين في الشرق الأوسط, كان من الممكن لإدارة بوش أن تختار إقامة حلف حقيقي للديمقراطيات لمكافحة التيارات الرجعية في بعض دول العالم, وكان يمكن تشديد العقوبات الاقتصادية على العراق وضمان عودة المفتشين دون الدخول في حرب قذرة, وكان من الممكن إعطاء الفرصة لنظام دولي جديد لمكافحة انتشار السلاح النووي, وقد يكون لهذه التوجهات أن تعني استمرارية التقاليد الأميركية للسياسة الخارجية, لكن بوش وإدارته اختارا العمل بشكل مغاير تماماً, ولم تضغط مشكلات السياسة الداخلية على خياراتهم وقد أدت هذه السياسة إلى نشوء (الدول الحمراء) في أميركا ومن أجل الحرب على العراق, حظيت الإدارة بدعم المحافظين الجدد (الذين يفتقدون لقاعدة سياسية والمشحونين بأفكار ايديولوجية متطرفة وبما يسميه (والترراسيل ميد) ب (أميركا الجاكسونية), هؤلاء هم أنصار الانعزالية العنيدة وقد ساهمت الظروف في تعزيز دورهم في صناعة القرار كما أن البحث غير المجدي عن أسلحة الدمار الشامل في العراق والعجز عن إثبات وجود علاقة وثيقة بين صدام حسين والقاعدة, أرغم بوش عند ولايته الثانية, على تبرير الحرب بعبارات المحافظين الجدد حصراً وكأنها جزء من سياسة مثالية للتغيير في الشرق الأوسط الكبير!!.‏

القاعدة الجاكسونية لبوش تزوده بمعظم القوات التي تخدم وتموت في العراق, لكنها لا تريد ترك القائد الأعلى وسط الحرب, رغم ذلك يعتبر التحالف من أجل الحرب هشاً وقابلاً للتصدع في مواجهة الأمور غير المتوقعة. وفي حال توقع الجاكسونيون بأن الحرب لا يمكن كسبها, فإنهم سيدعمون حينئذ ولو قليلاً سياسة خارجية توسعية تركز على ترويج الديمقراطية. فالديمقراطية لعام 2008 يمكن أن تتأثر بالنتائج مما ينتج عنه تغيير بالسياسة الخارجية الأميركية.‏

هل نحن في الطريق إلى الإخفاق في العراق? أظن كذلك أقله في الوقت الحالي. يمكن للولايات المتحدة السيطرة على الوضع على الصعيد العسكري طالما أنها اختارت البقاء هناك بأعداد كبيرة, لكن إدارة الأميركيين في الإبقاء على القوات اللازمة لها حدود, هذه القوات تلقت ضربات معنوية متتالية من الشعب العراقي المقاتل في غياب دعم بعض الجهات للدستور ومع انقسام جهات أخرى فإن ظهور حكومة عراقية قوية وموحدة يبدو معرضاً للخطر بازدياد وستكمن المشكلة في منع التيارات من التوجه إلى التحزب الخاص بها بدلاً من الحكومة لحمايتها, وفي حال انسحبت الولايات المتحدة مبكراً من العراق فسيتخبط هذا البلد في فوضى بالغة الشدة, مما سيطلق سلسلة من الأحداث المؤسفة التي ستهز المصداقية الأميركية في العالم وتجبرها على أن تبقى مركزة على الشرق الأوسط لسنوات على حساب مناطق أخرى هامة في العالم كآسيا مثلاً.‏

لا نعرف تماماً ما ستؤول إليه الحرب على العراق, لكننا نعرف أنه بعد مضي أربع سنوات على الحادي عشر من أيلول يبدو أن السياسة الخارجية الأميركية في مجملها موجهة للخروج ضعيفة جراء حرب ارتبطت ثانوياً بما حدث في ذلك اليوم في الولايات المتحدة.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية