تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


أطفالنا حين يبتهجون

آراء
الاثنين 11/8/2008
أخبار العالم ليست إنتاج البنتاغون الأميركي حصراً, رغم أنها الشغل الشاغل لكل وسائل الإعلام, تغذيه بمفرداتها, ومصطلحاتها, وتغلفه بأكاذيبها الدعائية, وتطلقه على لسان المتحدث باسم البيت الأبيض الذي بدوره يطلق إلينا واحداً من نجومه الناطقين بين موسم وآخر!

ومن حسن حظ قراء الصحف أنهم يجدون, ولو الصفحة الأخيرة, من هذه الصحف المكتظة بأخبار القطب (الذي لم يعد أوحد بحكم منطق التاريخ) ليتابعوا بعض المنوعات ويطلعوا على بعض النشاطات الإنسانية المتعلقة بالفنون والثقافات, بحيث ينسى القارئ, ولو إلى حين, المذابح المتواصلة لشعوب الأرض المستضعفة, ولو لم تفرد هذه الصفحات الضئيلة لشعرنا أننا نعيش ليل- نهار, على جبهات القصف, وجيوش الديمقراطية المدججة بالقنابل الرحيمة لبراعتها في القتل الجماعي الصاعق وخاصة في حفلات الأعراس, ولنسينا الهموم (الصغيرة) المتعلقة بالتربية, والصحة والقلق والمطالعة والإجازة, والانحراف السلوكي الذي لم يعد مسؤولية الأسرة وحدها مهما تخلف المجتمع وتعثر بمشكلاته, وقد حظيت بخبر موسع عن مدينة ريدروث البريطانية التي شنت حملة لإجبار فتيانها على النوم باكراً تحت عنوان: تصبح على خير! وفي الخبر أن سلطات المدينة الصغيرة فرضت حظر التجول, وحظر التردد على الحانات والمراقص, على من هم دون السادسة عشرة, بدءاً من الساعة التاسعة, للحد من تناول الخمور بكميات كبيرة, لما يسببه ذلك من مشكلات اجتماعية على المستوى العام, وطلبت من الأهالي مساعدتها على إنجاح هذه الحملة, وهددت الأسر التي لا تلتزم بإخضاعها لدورات تربوية!‏

هذه الحملة لم تتواصل بمجرد النصائح والمناشدات, بل إن رجال الشرطة حملوا في حوذاتهم كاميرات لمراقبة الفتية المخالفين بالإضافة إلى فرض قيود على الأسر التي لا ترغب في التعاون, وقال مسؤول شرطة المدينة إنه اضطر لهذه الحملة استجابة لتذمر السكان من الضوضاء والمشكلات التي تحدثها الفتية في المدينة, إلى درجة إثارة الخوف في نفوسهم!‏

طويت الصحيفة بشعور من فقد الاتجاه, وأصابته البلبلة والحيرة تجاه لعبة جهنمية باتت في يد كل صبيتنا ويطلقون ضجيجها في ساعات الصبح المبكرة, وحتى ساعات السحر دون أن تجد رادعاً ومحاسباً, لأنني كلما تأرقت من جنونها فكرت بالاتصال بالشرطة, ثم عزفت عن ذلك لقناعتي أن ملاحقة هؤلاء الصبيان المزعجين, المنفلتين في الشوارع وخاصة في الليل, هو مسؤولية الأهل وليس الشرطة.. ويا ويل من يهتف لصبي ليسأله برفق أن ينصرف إلى بيته, وقد تجاوزت الساعة منتصف الليل, ويكف عن تحريك الكرتين الخشبيتين, المثيرتين للأعصاب, لأنه سيشم السائل ويهرع لاستدعاء أفراد عصابته, لتبدأ مباراة العزف الشبيهة بإفراغ شاحنة حصى لا يتوقف تكسرها خلال ساعات... أتحدث يا سادة عن لعبة ازدهرت منذ سنوات ثم اندثرت, لتعود من جديد وهي عبارة عن كرتين خشبيتين ملونتين, مربوطتين بخيط واحد, تبدو وهي صامتة, بمنتهى البراءة, لكننا جميعاً جربنا ضجيجها المثير للأعصاب وهي دون شك مسؤولية الأهل أولاً,لكن إذا كنا فقدنا أبسط قواعد التربية, وبتنا نعيش في أحياء لا عوازل منزلية فيها ماذا نفعل?‏

هل نقرع باب المحافظ? هل نلجأ إلى مختار الحي? هل نقدم شكوى لمخفر الشرطة? هل ندعو إلى اجتماع أسري في الحي? وكل هذا محض خيال لأننا لم نصل بعد إلى سوية وعي تأخذ بعين الاعتبار مسألة الإزعاج الجماعي, ما دمنا نطلق منبه السيارات في كل وقت, ونرمي القمامة حيث نشاء ومتى نشاء, ونخالف قانون المرور رغم كل الضوابط, ونتجاوز الدور حيث يتوجب النظام, وننكّل بالمواطن المحتاج إلى طابع ثمنه بضع ليرات, فنضيع نصف نهاره لإحضاره من منطقة بعيدة عن المؤسسة, في الحرّ والقرّ, بحيث تفلت الأمور من أيدينا وننكفئ على معاناتنا التي يتخيل البعض أنها لا تستحق الذكر, وهي هموم على الدولة أن تتحمل مسؤوليتها فتمنع على الأقل استيراد مثل هذه الألعاب, فقد رضينا بكل منتجات الصين بدءاً من فناجين القهوة وانتهاء بسلال الخيزران الملونة, وأعتقد أن جمهورية الصين الشعبية ممتنة جداً من التجار السوريين الذي يتسابقون في افتتاح معارض لصناعاتها الرخيصة المتنوعة, ولن تقطع علاقاتها الدبلوماسية معنا إذا كففنا عن استيراد لعبة الكرتين الجهنمية, كما لن يفقد أطفالنا بهجتهم إذا حرموا من لعبة لامتعة فكرية ولا حركية فيها, اللهم إلا في دفع عدوانيتهم تجاهنا إلى أبعد مدى, لأن الأطفال حين يبتهجون, لهم في ذلك طرائق أخرى لا عد لها ولا حصر فهل من مهمتم من مستجيب?‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية