|
محطة فالمعروف أن أصحاب الأطروحات العنصرية, ينطلقون من تقسيم للأعراق والأجناس والشعوب على (أسس) واهية وزائفة, قوامها ادّعاء النقاء والتميز والتفرد العقلي والبيولوجي والجسماني والثقافي والحضاري, لهذا العرق أو ذاك على بقية الأعراق والأجناس والأمم. وهو ما قاد في مرحلة تاريخية معينة إلى تشكل الحركات والإيديولوجيات العنصرية الغربية المدمرة, كالنازية والفاشية والصهيونية, و تجلياتها الجديدة والمعاصرة, على شكل تنظيمات فاشية وعنصرية معادية للمهاجرين وللأجانب المقيمين في الغرب. أما على الساحة العربية, فإن ما يصدم المشاعر القومية, والوجدان والمنطق والوعي هو تلك الدعوات الاستعلائية, التي يطلقها بعض من يصنفون أنفسهم في فئة المثقفين والكتاب والأدباء والإعلاميين من (بني يعرب وقحطان ).. ضد أشقائهم ممن يعيشون في ظروف الفقر والعوز والحرمان من أقطار عربية أخرى. فعندما تقع جريمة عادية في بلد من بلدان النعمة واليسر ويكون أحد أطرافها (مقيم) أو (وافد) من تابعية سورية أو مصرية أو يمنية .. تُشَنّ حملة إعلامية وتعبوية للتشهير بالجالية كلها, وصولاً إلى التعريض بالمجتمعات التي جاء منها ذلك الشخص, وقد يبلغ التضخيم أحياناً درجة الاستهزاء والسخرية والازدراء من الأوطان والبلدان, التي (تصدِّر) هذه (العمالة المزعجة)!!. وإذا كانت كتابات هؤلاء المثقفين الأشقاء المتعالين والمتغطرسين لا تصل- والحمد للّه- إلى عامة الناس في بلداننا, إلا أنَّ من يطلع عليها سيصاب بالانزعاج والتكدّر والصدمة, نتيجة لما يلمسه من فوقية وتكبر وحتى عنصرية بغيضة. صحيح أن هذه النزعة لا تمثّل الآن توجهات شعبية ومجتمعية أساسية ومؤثرة, إلا أنها تشير بالمقابل إلى إرهاصات وعلامات سلبية وخطيرة على المدى غير البعيد, من شأنها تعميق الفرقة والاختلاف, وانقسام العرب الحاد إلى بلدان غنية وفقيرة, وتوسيع فجوة التباعد بين مجتمعاتنا ومفاهيمنا وثقافاتنا المحلية والقُطرية. ما يزيد ضعفنا ضعفاً, ويشجع القوى الطامعة بنا إلى استغلال هذه النزعة وتوظيفها لغير صالح أمتنا ومستقبلها. وقد لا نكون مبالغين إذا ما نظرنا إلى التوجهات السلبية , التي ألمحنا إليها كمؤشر واضح لتخريب وحدة الجسد الشعبي والثقافي والتاريخي للمجتمع العربي, الذي صمد على مدى مئات السنين أمام موجات الغزو الخارجي والاستعماري المتلاحقة. فالمثقفون المخلصون لأمتهم وهويتها ووجودها ( من الأقطار العربية كافة) ,مدعوون اليوم بقوة إلى التصدي الحازم للأطروحات والأفكار والكتابات المتعالية والعنصرية, تحت أي إسم كانت, أو بأي ذريعة قيلت أو نشرت. فلن يرتفع شأن أمتنا بين أمم الأرض وشعوبها إلاّ بالتمسك بقيمنا الثقافية -الحضارية المشتركة, القائمة على التضامن والتكافل, واحترام الخصوصية والتعددية .. والتعاون والتآزر. www.khalf-aljarad.com |
|