تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


مقولات تحتاج إلى نقاش

اقتصاديات
الاثنين 11/8/2008
الدكتور محمد توفيق سماق

تعددت لدينا في الفترة الاخيرة وعلت نبرة التصريحات في وسائل الاعلام التي تقول أنه ليس هناك اقتصاد سوق اجتماعي,

هناك اقتصاد سوق فقط. كما ان كلمة اجتماعي المقترنة باقتصاد السوق التي أقرها المؤتمر القطري العاشر لحزب البعث العربي الاشتراكي »6/2005« ليست سوى خطأ من الناحية الفكرية واضافة لا لزوم لها من الناحية اللغوية.‏

وبالرغم من مشاعر المودة والصداقة التي أحملها لبعض ممن تنسب اليهم هذه التصريحات, أجد نفسي مضطرا لتوضيح بأن شواهد الماضي وحقائق الحاضر تناقض تلك المقولات وتنفي دقتها.‏

فمن الناحية التاريخية أخذ بهذا النمط الاقتصادي في البدء ألمانيا الاتحادية» أو ألمانيا الغربية سابقاً « في محاولتها لاعادة بناء اقتصادها المدمر بعد الحرب العالمية الثانية. لقد أردات ألمانيا من السوق الاجتماعي ان يشعر المواطن الالماني بأن عملية اعادة البناء ستنجز بكلف مقبولة اجتماعيا وان نتائجها ستكون لمصلحة الفرد والمجتمع وليس لمصلحة القلة منه.‏

وقد نجحت ألمانيا فيما ارادت وحققت ما اصطلح على تسميته في الادبيات العالمية بالمعجزة الالمانية. اليوم نجد اقتصاد السوق الاجتماعي في الدول الاسكندنافية وفي العديد غيرها من الدول الاوروبية , ليس هذا وحسب بل ان هذا النمط الاقتصادي ( السوق الاجتماعي) قد نص عليه الدستور الذي اعتمده الاتحاد الاوروبي وطرحه للاستفتاء في بعض دول الاتحاد عام 2007 .‏

اذا وبخلاف ما يقال فإن كلمة اجتماعي المقترنة باقتصاد السوق ليست تزيداً لغوياً فهي مقصودة بذاتها ولذاتها, ولو كان الامر غير ذلك لشطبها الاقتصاديون الالمان ومن بعدهم اقتصاديو اوروبا منذ زمن طويل, كما ان مصطلح اقتصاد السوق الاجتماعي ليس بدعة بعثية او اختراعا سورياً فهو موجود في التطبيق كما اشرنا منذ اواخر النصف الاول من القرن الماضي ولنجاحه يأخذ به اليوم ويريده للمستقبل بعض ممن يعتبرون بمقياس هذا الزمن أئمة الاصلاح ورسل التقدم أي دول الاتحاد الاوروبي .‏

أما بالنسبة لنا في البعث فنعني باقتصاد السوق الاجتماعي ذلك النظام الاقتصادي الذي يأخذ من السوق بقدر الممكن ومن الدول بقدر الضرورة, او بصياغة اخرى الاقتصاد الذي يستطيع توظيف كفاءة قوى السوق وفي الوقت نفسه يحافظ على عدالة توزيع الدخل . ذلك يقتضي اطلاق قوى السوق » من عرض وطلب« الى اقصى حد ممكن مع الاستعانة بالدور الاقتصادي للدولة في حالات الضرورة التي تستدعيها مقتضيات العدالة.‏

فالسوق بلا دولة يحول المجتمع الى غابة يعيش فيها الاغنياء والفقراء معاً لكن بحقوق تعكس قدرات كل من الشريحتين , ففرص العيش الكريم والصحة والتعليم ستكون حقا للأغنياء بينما الفقر والجهل والمرض ستكون حقا للمحرومين.‏

لم يتبن حزب البعث العربي الاشتراكي في مؤتمره القطري العاشر اقتصاد السوق الاجتماعي عن عفوية او ارتجال بل جاء ذلك بعد مناقشات مطولة ومعمقة وكنت من أوائل المطالبين في المؤتمر بتبنيه لاعتبارات عديدة ابرزها توجيه رسالة للدخل وللخارج مفادها ان الحزب وبالرغم من التحول القادم لا زال ملتزما بمصالح الطبقات والشرائح الاضعف في المجتمع . لقد وجد المؤتمر في هذا الالتزام ضرورة حيوية للبعث لأنه يعبر عن اهدافه ويعكس جوهر رسالته ويساهم في تجدده وتطوره لكن مع استمراره وبقائه.‏

جملة القول ان كلمة اجتماعي لم تكن اضافة لغوية لا لزوم لها - كما يقول البعض - بل كانت بالنسبة لمن أتى بها ورغب فيها ضرورة وطنية تقتضيها حاجة البلاد للنمو والتطور ومصلحة المجتمع في التوازن والاستقرار .‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية