|
شؤون سياسية بعد انهيار الاتحاد السوفييتي تصاعد معدل الحروب التي مضينا نشنها، حروب أهدافها وبأسلوب متزايد مضللة وغير مقنعة، غدونا مستعدين لشن الحروب خارج إطار القانون الدولي وفي مواجهة معارضة شعبية في جميع أرجاء العالم، كانت تلك الحروب امبريالية أمر واقع تبررها مزاعم دعائية عن التدخل الإنساني، تحرير المرأة، والتهديدات التي تمثلها الأسلحة غير التقليدية أو أية عبارات طنانة رائجة تخطر على بال المتحدثين باسم البيت الأبيض والبنتاغون ومع كل حرب نكتسب قواعد عسكرية كبرى جديدة لا تتناسب من حيث الموقع والمدى مع المهمات العسكرية المطلوبة ثم نحتفظ بتلك القواعد ونعززها وندمجها بعد انتهاء الحرب. وبعد أحداث 11 أيلول 2001 قمنا بشن حربين في أفغانستان والعراق وتملكنا 214 قاعدة جديدة في أوروبا الشرقية، العراق، منطقة الخليج، باكستان، أفغانستان، أوزبكستان، وقيرغيستان. قيل :إن تلك الحروب كانت استجابة للهجمات وإنها ستقلل من تعرضنا للإرهاب في المستقبل بيد أنه يبدو أن الأكثر احتمالاً هو أن القواعد الجديدة والأهداف الأميركية الأخرى ستكون موضوعاً لضربات «إرهابية» مستمرة ومتزايدة. واتباعاً منا لممارستنا المعتادة مضينا نقيم قواعد في دول ضعيفة تسيطر عليها حكومات تابعة غير ديمقراطية، نقوم ببناء قواعد متقدمة في كوسوفو-العراق-أفغانستان، باكستان ودول آسيا الوسطى الغنية بالنفط في محاولة لوضع تلك المنطقة بأكملها تحت الهيمنة الأميركية، وحتى الآن ظلت إيران محصنة ضد محاولاتنا، لم نفعل أياً من ذلك لنحارب الإرهاب أو لنحرر العراق أو لإطلاق عملية دمقرطة في الشرق الأوسط أو لأي من الذرائع الأخرى التي يتشدق بها قادتنا، فعلنا من أجل النفط ما نراه أنه قدرنا أي لنصبح روما الجديدة. هذا الكتاب الذي يتألف من 480 صفحة-أحزان الامبراطورية- هو استكمال لكتاب سابق «بلوباك» حيث كانت الفرضية الأولى هي أن الحكومة كانت لا تزال تعمل بشكل أو بآخر بأسلوب عملها أثناء الحرب الباردة لكن بعد 11 أيلول 2001 لم تعد التحذيرات ضرورية إذ إن تشخيص الوباء مناسب أكثر. ليس ثمة عودة عن تنامي العسكرة، التكتم الرسمي والاعتقاد بأن الولايات المتحدة لم تعد ملتزمة بما ينص عليه إعلان الاستقلال أي الاحترام اللائق لآراء البشرية وسيتطلب إخضاع البنتاغون مرة أخرى للتحكم الديمقراطي أو إلغاء الـ «سي آي إيه» أو حتى التفكير في فرض البند الأول -الجزء السابع- الفقرة السابعة من الدستور- لن تسحب أموال من الخزانة إلا بناء على تخصيصات يصنعها القانون. إلا أن هذا البند لم يطبق على وزارة الدفاع أو السي أي إيه منذ إنشائهما وبدلاً من هذا ظلت هناك سياسة دائمة تتلخص في: «لا تسأل، لا تخبر» أما الاحتيال في ميزانية الدفاع فيرجع إلى زمن مشروع مانهاتن أثناء الحرب العالمية الثانية والقرارات السرية لصناعة قنابل ذرية واستخدامها في اليابان، أي أنها تفعل ذلك باسم الشعب الأميركي دون استشارته أو أي إشراف منه. فحوى هذا الكتاب العسكرة الأمريكية وجودها الفيزيقي في العالم ونشأة وتطور القوات الخاصة جيشاً خاصاً للرئيس والتكتم الذي يتيح لقدر أكبر دائم من المؤسسات المعسكرة السرية التي تتطور وتزدهر حيث أصبح العسكر خبراء في إدارة الأخبار. في أعقاب هجمات 11 أيلول بدأت الحكومة لدى كل المستويات في تقييد المعلومات المتاحة للجمهور بما في ذلك التهم التي كانت توجهها إلى أناس كانت تعتقلهم في أفغانستان ومناطق أخرى واحتجزتهم في سجون انفرادية بمعتقل البنتاغون في كوبا، كما بدأت صحفنا تبدو أنها نشرات أخبار رسمية واستسلمت القنوات الإخبارية التلفزيونية وخضعت لأوامر الشركات التي تمتلكها، تنافس الحزبان السياسيان مع بعضهما في خضوعهما للبيت الأبيض. وفيما تتصارع وكما هو محتم العسكرة وصلافة القوة والتعبيرات البلاغية المتطلبة لتبرير الإمبريالية مع بنية أمريكا الديمقراطية وتشوه ثقافتها وقيمها الأساسية، فالخطر يهدد بلادنا، والخطر الذي استبصره -والقول للمؤلف- هو أن الولايات المتحدة قد انطلقت في طريق لا يختلف كثيراً عن الطريق الذي انطلق فيه الاتحاد السوفييتي أثناء الثمانينات. لقد انهار الاتحاد السوفييتي لأسباب ثلاثة أساسية: التناقضات الاقتصادية الداخلية التي حفزها الجمود الايديولوجي -فرط التوسع الامبريالي- والعجز عن الاصلاح. ولأن الولايات المتحدة تفوق الاتحاد السوفييتي السابق ثراء بكثير فقد يستغرق الأمر وقتاً أطول إلى أن تحدث المحن المماثلة أثرها، بيد أن التماثلات واضحة، ولم يكتب في أي نص أن الولايات المتحدة في هيئتها كامبراطورية تهيمن على العالم لابد وأن تدوم إلى الأبد. رغم أن بوش قال في 31 آب 2002: «بلدنا أعظم قوة في التاريخ وإلى الأبد» ورغم أن روبرت فيسك قال بوضوح: ما اسم ذلك النهر الذي عبره يوليوس قيصر؟ ألم يكن يسمى الروبيكون؟ بالأمس عبر المستر بوش ذلك النهر ذاته. |
|