|
شؤون سياسية لكن الخلاف في وجهات النظر تجاه المسار الفلسطيني، لايعني وجود أزمة بين الطرفين، وخصوصاً أن العلاقات بينهما شهدت مثل هذه الخلافات وتعتدت مطالبة الأميركيين للحكومة الإسرائيلية الجديدة بالاعتراف بمبدأ «حل الدولتين» و«وقف التوسع في المستوطنات». وتكفي الإشارة هنا إلى أن التوتر في العلاقات بين إدارة جورج بوش الأب، وحكومة اسحق شامير لم يدم طويلاً، فتحول هذا التوتر إلى دعم غير مسبوق من الولايات المتحدة لإسرائيل وخصوصاً من قبل جورج بوش الابن الذي بعث إلى آرييل شارون برسالة الضمانات الرافضة للانسحاب حتى حدود الرابع من حزيران 1967، والتي ألغت أيضاً حق العودة للاجئين الفلسطينيين. واستمرت إدارة بوش بدعم حكومة إيهود أولمرت وخياراته السياسية وأيدت حربين إسرائيلتين على لبنان في عام 2006، وفي قطاع غزة في نهاية العام 2008. واليوم، ورغم الاختلافات الواضحة بين الجانبين لم تستطع إدارة الرئيس أوباما انتزاع كلمة القبول بحل الدولتين من فم نتنياهو الذي يرى أن الأولوية يجب أن تمنح للملف الإيراني، لا الفلسطيني، ومشكلة الشرق الأوسط وفق منظوره لم تعد ممثلة بالصراع العربي- الإسرائيلي. وفي الوقت الذي تتمسك فيه حكومة ليبرمان -نتنياهو بيهودية الدولة وتهويد القدس، فإنها ترفض فكرة الدولتين، وتعارض وقف الاستيطان، وقد أعلن رئيسها أمام الكنيست أن السلام يمكن أن يتحقق من خلال ثلاثة محاور أولها تقدم التطبيع مع الدول العربية، وثانيها إقامة مشروعات اقتصادية في الضفة الغربية مع السلطة الفلسطينية، وثالثها دفع العملية السياسية مع الفلسطينيين، أي إن مايعرضه نتنياهو لايتجاوز المطالبة بتطبيع العلاقات مع الدول العربية مع إقامة حكم ذاتي يسعى إلى إنعاش الاقتصاد الفلسطيني، وهويعتبر ذلك تنازلاً من جانبه للفلسطينيين والعرب وفرصة سانحة يتعين عليهم اقتناصها. في خطابه للعالمين العربي والإسلامي ظهر باراك أوباما كصاحب رؤية لاصحاب قرار، فهو لم يقل إن القدس عاصمة للدولتين في سياق تأكيده موقف حل الدولتين، وأكد وجوب وقف الاستيطان مرجعية القدس لجميع الأديان لكنه وضع معاناة الشعب اليهودي ومحرقته في المقدمة. وأشار إلى مبادرة السلام العربية بوضعها فكرة قابلة للنقاش، وليس بصفتها مشروع تسوية تاريخية. لاشك أن خطاب الرئيس الأميركي في القاهرة كان بمثابة إعلان خلاف عميق مع الحكومة الإسرائيلية الحالية، وربما أكبر خلاف في تاريخ العلاقات الأميركية- الإسرائيلية حسب تعبير روبرت ساتلوف مدير معهد الشرق الأدنى للسياسات المؤيدة لإسرائيل، لكن المصداقية تكمن في الأفعال لا الأقوال. فحتى الآن لم يختبر الرئيس الأميركي على أرض الواقع، ولم تتضح بعد مدى قدرته على الدخول في مواجهة مع الحكومة اليمينية المتراصفة مع إسرائيل وعلى ممارسة ضغوط حقيقية عليها، فهل بمقدوره ممارسة مثل تلك الضغوط أم إن له حدوداً يجب أن يتوقف عندها بالنسبة للكونغرس الأميركي؟. يقول ألوف بن في صحيفة هآرتس: «الرئيس الأميركي، باراك أوباما، درج على طرح (أهداف رؤيا) بعيدة المدى، كالسلام الإقليمي الشامل في الشرق الأوسط ولكن في سلوكه العملي يفكر ويعمل كسياسي، هكذا في سياسته الداخلية والاقتصادية، وهكذا في موقفه المركب من إسرائيل.. تصريحاته ومواقفه محبوكة بدقة على قياس التأييد الذي تتمتع به إسرائيل في الكونغرس الأميركي، يتابع بن قائلاً: «أعضاء الكونغرس ملتزمون بالحفاظ على أمن إسرائيل، وفي التصدي لإيران، ولكنهم لايؤيدون تعزيز المستوطنات، وعليه فإن أوباما يشدد دعمه لأمن إسرائيل، ولكنه مستعد لأن يصطدم برئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو على المستوطنات دون أن يخشى الثمن السياسي، وهو يعرف أن رئيس الوزراء الإسرائيلي لايمكنه تجنيد الكونغرس ضده أو تجنيدالطائفة اليهودية». ويردف بن قائلاً: هذه الاستراتيجية التي يمكن تسميتها «اضغط بقدر استطاعتك» بلورها على مايبدو رئيس قيادة البيت الأبيض (رام عمانويل) وهي تظهر في كل تصريح لمسؤولي الإدارة الأميركية حول الشرق الأوسط، وأوباما عرضها مرة أخرى مع محمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية، وقبله مع نتنياهو، فقد تحدث عن مصلحة الفلسطينيين وإسرائيل والولايات المتحدة في حل «الدولتين» ولكنه لم يذكر تعبيراً مثل «احتلال» أو «حقوق الفلسطينيين» بل يعرض فقط مطلباً مركزياً واحداً هو وقف الاستيطان. ويعني هذا المطلب عملياً، بحسب المفهوم الأميركي، تجميد البناء في المستوطنات الإسرائيلية القائمة بصورة تامة، وتفكيك مايسمى بـ «البؤر الاستيطانية غير القانونية، مع أن كافة المستوطنات غير قانونية وغير شرعية، وهي مخالفة تماماً لقرارات الشرعية الدولية ولاتفاقيات جنيف المتعلقة بالأراضي الواقعة تحت الاحتلال. خطاب أوباما بداية لا بأس به فالنيات الحسنة لاتصنع سلاماً، والحديث القديم الجديد عن أن الولايات المتحدة ليست ضد العالم الإسلامي، لايعيد أرضاً، ولايرجع حقوقاً مغتصبة، فيما قيمة حديث أوباما عن تجميد الاستيطان وعن «حل الدولتين» وحكومة نتنياهو تتعامل باستخفاف مع هذه المطالب وتصر على بناء المستوطنات والتوسع فيها تحت ذريعة النمو الديمغرافي وتشترط على الفلسطينيين الاعتراف «بيهودية الدولة». أوباما غير قادر على الضغط، لأنه سيجد أمامه (كونغرس) مؤيداً لإسرائيل ومشاريعها الاستيطانية، فالكلام المعسول لايغير من الواقع شيئاً، فالعبرة في التنفيذ، لا بالأقوال والتصريحات. |
|