تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


هل مهدت زيارة أوباما لمهمة ميتشل؟

شؤون سياسية
الخميس 11-6-2009م
د. فايز عز الدين

تواتر تحليل نتائج زيارة الرئيس الأميركي أوباما إلى المنطقة وإلقائه الخطاب الموجه للعالم الإسلامي بين ما سمي بلهجة اعتدال أميركية وتصالح،

وبين ما سمي باعتراف أميركي أن ليس لأميركا غير الحوار بعد اليوم ولغة الحروب فشلت في تحقيق أحلام الدولة العظمى والقطب الوحيد والصورة الامبراطورية المنشودة، وبين هذا وذاك أتى أوباما وتحدث وقدم أفكاره التي يمكن أن تنسب إلى منطق التجديد والتغيير‏

في السياسة الأميركية،‏

وهذا يعني أن إعلان النوايا شيء والحركة من أجلها شيء آخر، ولاسيما حين تكون إسرائيل بمثل ما هي عليه من التغطرس والاستعداد للحرب أكثر من أي رغبة بالسلام، ولا أدل على ذلك من أن الإظهارات العالمية عن رغبة بالسلام الحقيقي تقابلها إسرائيل بإدارة الظهر، مدعية أن المشكلة الحقيقية ليست البؤر الاستيطانية، ولا إصرارها على تهويدالقدس وعدم الاعتراف بحل الدولتين، ولا بعودة اللاجئين، هذا إذا ما قلنا عن وقاحة الدولة اليهودية المزعومة وما يرتب لها من أطر تشريعية عبر الكنيست الصهيوني، المشكلة الحقيقية عندها والتي لا تجيز أن يتحول اهتمام أوباما إلى قضايا تافهة، -كما ذكرت الصحف الإسرائيلية- هي إيران وملفها النووي ومن يقف معها بخط مقاوم استراتيجي في المنطقة.‏

عدنا إذاً إلى المربع الأول في مؤتمر مدريد في تشرين الأول من عام 1991 حين كانت أميركا قد قدمت مبادرتها السلمية القائمة على مبدأ الأرض مقابل السلام وتطبيق قراري الشرعية الدولية 242- 338 وكيف صار الأمن بالنسبة لإسرائيل بزعامة شامير أكثر أهمية من تحقيق أي مطلب من الحقوق التاريخية المشروعة وظهرت الغطرسة الصهيونية في الرغبة بمد زمن المفاوضات إلى عشر سنوات وكان ذلك.‏

واليوم يتحدث أوباما عن رغبة لحل قضية الصراع العربي الإسرائيلي خلال سنتين ويعلن تبنيه لحل الدولتين ويؤجل نقل السفارة الأميركية إلى القدس حتى يتم التواضع على السير بحل حول وضع المدينة، رغم أن قانوناً أميركاً قد صدر عام 1995 ينص على نقل السفارة الأميركية إلى القدس لكن الرؤساء الأميركيين كانوا يؤجلون تطبيقه طالما أن إطار التسوية لم يتوصلوا إليه بعد، ومع أن خطاب أوباما على حد قول الصحفي البريطاني روبيرت فيسك قد أغفل ما يتعلق بإسرائيل في الموضوع النووي، حيث تملك إسرائيل 264 رأساً نووياً وصرف انتقاده الشديد للملف النووي الإيراني ومع ذلك هاجمته إسرائيل وأوضحت ضيقها منه وسخطها عليه، ويظهر الصحفي البريطاني فيسك في مقاله لصحيفة الاندبندنت البريطانية أن على إسرائيل أن تتخذ خطوات قوية حتى يتقدم الفلسطينيون في حياتهم اليومية كجزء من الطريق المؤدي إلى السلام وعليها أن تقر بمعاناتهم وبحقهم في الوجود، ويتساءل فيسك هل يشفي خطاب أوباما في القاهرة جروح قرون؟ وقال: إن إسرائيل لم تضطر منذ قرن لتحمل هذا النوع من النقد من رئيس أميركي، وقد بدا الأمر وكأنه نهاية الحلم الصهيوني.‏

ومن الطبيعي أن يكون للعالم بما فيه أميركا قدتوجه نحو السلام الأكثر عدلاً وأن تكون إسرائيل الرافض الوقح لهذه الرغبة، وحتى فرنسا حين زارها الرئيس أوباما أيد رئيسها ساركوزي وقف بناء المستوطنات في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وقد أكد أوباما وهو يشارك في الذكرى الخامسة والستين لإنزال الحلفاء في النورماندي أنه يريد محادثات جادة وبناءة تهدف إلى التوصل لحل الدولتين بين إسرائيل والفلسطينيين والمهم عنده هو كسر الجمود في عملية السلام في الشرق الأوسط، والواضح بما أراده أوباما من إسرائيل هو أن تعترف أن مصيرها مرتبط بمصير الفلسطينيين ومصلحة إسرائيل من الناحية الأمنية ومصلحة الفلسطينيين كذلك على حد رأيه في حل هذا الصراع بطريقة سلمية.‏

نحن الآن نشعر بعد انتهاء جولة أوباما وخطابه للمسلمين وزيارته لأوروبا وعودته إلى بلاده أن حصاد أسبوعه نوايا وطرح حسن النية ورغبة في الوصول إلى حل، لكن المشكلة ليس أن يمتلك أوباما الرغبة في الحل حيث كانت هذه الرغبة الصورية منذ مشروع إيزنهاور في خمسينيات القرن الماضي، ومبادئ جونسون بعد عدوان 1967 ومشاريع كارتر وكلينتون وبوش الأب والابن لكن ما الذي تحقق على صعيد تبديل الروح العنصرية الإقصائية الصهيونية؟ ثم ما الذي سوف يأتي به، أو لأجله مبعوث السلام إلى المنطقة جورج ميتشل؟ مع أن هيلاري كلينتون تجري في سبيله مجموعة اتصالات بما فيها مع سورية، والمستوطنون يواصلون بناء البؤر الاستيطانية الجديدة بالضفة تحت اسم كوخ أوباما؟ واسحاق ليفانون المتحدث باسم الخارجية الإسرائيلي يؤكد استمرار حكومة الاحتلال بالتوسع الاستيطاني.‏

من المعروف أن وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون سارعت إلى رفض تصريحات إسرائيلية تفتري على أميركا بوجود اتفاق ثنائي مع الإدارة الأميركية السابقة بشأن تجميد الاستيطان، وبدوره فقد اعتبر عضو الكنيست ميشيل بن آري أن الاستيطان في الضفة أمر لايمكن العبث به، وإزالة المستوطنات مستحيل وكان قد صرح ليفانون أيضاً بأن هناك تفاهماً مع أميركا بإدارتها السابقة بعدم هدم المستوطنات، أو إيقاف توسعها وخصوصاً الموجودة منذ 1967، واستطرد ليفانون أن خريطة الطريق الموقعة بين الإسرائيليين والفلسطينيين تقضي بإمكانية توسيع المستوطنات في الضفة لا تفكيكها.‏

لقد تواترت تصريحات أفيغدور ليبرمان وزير خارجية الكيان الصهيوني أنه سيعمل على الخط الروسي حتى يضمن مواقف داعمة لإسرائيل بعد أن ظهر له أوباما «بعد زيارة نتنياهو إلى أميركا» أنه لن يتجاوب مع مطامع إسرائيل ولاسيما بالتمسك بالأرض والاستحواذ على الحقوق العربية وعدم التجاوب مع رغبة المجتمع الدولي وصرف النظر العربي والأميركي إلى التهديد المزعوم بالملف النووي الإيراني ومطامح إيران بالدور المؤثر واللاعب الاستراتيجي في المنطقة، ومن الغريب أن يعيد نتنياهو حكاية التنازلات المؤلمة، تلك الحكاية التي اعتمدها أرئيل شارون في موضوع إزالة المستوطنات، فإذا كانت هذه هي الصورة الحقيقية لإسرائيل من الداخل وهذا هو لا يزال يصر عليه اليمين الصهيوني العنصري الذي لم ير حقاً لأحد بالحياة سوى للصهاينة والعرب ليس لهم حق سوى بالموت، فماذا سيكون أمام جورج ميتشل وهو قادم وماسيفتح من ملفاته؟ وماذا سيمكنه فيما يتعلق بإسرائيل من عمل؟!! ومع هذا فالأمر متعلق فينا نحن العرب والمسلمين أولاً حين نتداعى إلى تقديم منهج موحد، ولاسيما بعد زيارة أوباما يوضع أمام ميتشل ويعيد إنتاج المرجعيات العادلة والشاملة للسلام العادل والشامل.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية