تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


حكاية حب عبر ... الاتكاء على حافة الأدب!!

كتب
الأربعاء 30/1/2008
لميس علي

(أنت سيد الكلمات التي لم تتفوه بها, وعبد لتلك التي تفوهتها)

ربما كانت هذه الحكمة العربية أسلوباً انتهجه ذاك العاشق.. المعشوق... ذاك الرجل الغامض ( جان) في علاقته مع بطلة رواية (صمت الرجال) ,‏

هي أحجيته التي يطلقها ويلقيها بين يدي( إيديل) , متخذاً من الصمت سلاحه الأوحد في معركة العشق هذه.‏

إذاً... هي ذي طريقته اللامألوفة في حبه , الذي يدعي ,لإيديل...‏

فهل ما قدمته كريستين أوربان في هذه الرواية , هوالحب حقاً ... أم أنه شبيهه... ظله... مجرد رغبة مشبعة... حاجة مادية أكثر منها روحية?!!‏

-( كريستين أوربان) الروائية الفرنسية , التي عاشت في المغرب , تحكي لنا في هذه الرواية عن قصة حب فيها من الغرابة الشيء الكثير , غرابتها ولامعقوليتها تتبدى منذ نقطة البداية , من خلال ذاك اللقاء الصامت , المثير للعجب بين من سيصبحان حبيبين .‏

حيث يجتاح الحب (إيديل) , وبتعبير أدق , مدرسة الأدب التي أعطت لنفسها ذاك الاسم , وهو ذات الاسم الذي يجعل حبيبها المزعوم يتعرف إليها به على أنه اسمها الحقيقي.‏

وكأنما الروائية تشير هنا إلى عدم جدّية العلاقة فيما بينهما.‏

اللقاء الأول بينهما يكون في الحديقة , جلس هو منفرداً على مقعد ,وجلست هي قبالته , يغادر المكان دون أن ينبس بأي كلمة, وليعاود الظهور بعد ثلاث سنوات , في حفل يجمعهما معاً. يستغل هذا اللقاء , فيمضي بهابعيداً, حينما تتواطأ العيون كلغة ,دون كلمات ,يمضيان معاً دون أي مقدمات ولاتعريفات.‏

وهكذا تمضي العلاقة طوال سنة , ليس فيها سوى اللقاءات الغرامية , ودون أن يجري بينهما أي حوار حقيقي, دون أن تسمع منه أي جملة طويلة أو قصيرة , هي نتف من كلمات , بعض المفردات المتفرقة التي يلقيها في مناسبات مختلفة ,لاغير .‏

فأيديل تلك وقعت في حب رجل لاتعرفه , رجل لغته الوحيدة هي الصمت , وفيما الصمت هو لغته, نرى حالات البوح الذاتي هي ملجؤها الوحيد...‏

وكما لو أن حالات البوح التي ظهرت بصورة مونولوجات داخلية , هي الاسلوب الطاغي على سردية الرواية . إذ لا أحداث أخرى تتم على صعيد بنية الرواية, تستوجب قصها. فقط, هناك تأملات البطلة وتحليلاتها لماهية هذه العلاقة الصامتة ( التي ليس لها اسم) -كماترى- , تنشغل كل الوقت مفكرة بصمت ذلك الرجل, منهمكة في سبيل إيجاد مسمى لتلك العلاقة... ومع هذا تسارع وتتلهف للقائه في كل مرة , فهناك رغبة محمومة للقياه وعليها إطفاؤها.‏

- على الرغم من تلك المقدرة التي تظهرها ( أوربان) في التقاط تلك الحوارات الداخلية لبطلتها , الطاغية على البنية السردية , إلا أن فضاء الرواية يبدو فقيراً , وشخوص العمل محدودون بشخصية (إيديل) و (جان الحبيب) و(كليمانتين) الصديقة التي لن تظهر إلامن خلال تواصلها مع إيديل عبر الايميلات .‏

تنجح( أوربان) في تقديم فعل حب واحد لدى المرأة شرقية أو غربية, ماهية الحب هي واحدة لدى الأنثى أنّى كانت, تقول:( أفتش عن رجل يفضلني على القراءة, على الصيد , على عالم المال, على لعبة البريدج , على مباراة الغولف , على رفاقه, على التلفزيون , على الجريدة...إنه غير موجود).‏

كما وتلعب لعبة الإيهام التي تسلكها الكثير من الروائيات اللواتي يماهين بين شخصياتهن وشخصية البطلة , كأن تذكر أكثر من مرة , ذهاب بطلتها إلى المغرب , على سبيل المثال.‏

ومع هذا...‏

فإن( صمت الرجال) لاتعدو كونها عملاً أقرب إلى الوصف بمذكرات مراهقة , وبوصف أرقى هو مذكرات امرأة عاشقة تسجل تفاصيل إحدى علاقاتها التي بدت عابرة - في النهاية- إذ لاتقرن (أوربان) هذا الخط العشقي الشخصي لبطلتها (إيديل) بأي خط آخر مواز يغني العمل, فلامجريات أخرى سياسية , اجتماعية أو غيرها تتماشى مع فعل الحب الرئيس ,عدا عن ذكرها بعض الامور التي تأتي بها تأكيداً على عصرية الرواية ,مثل: تفجير مركز التجارة العالمي, استخدام الانترنت والجوّال وغيرها من أمور., لاتضفي أي جماليات تذكر على فنية العمل.‏

ليبقى السؤال العالق في ذهن القارىء...‏

هل ما قدم يرقى إلى مستوى الروايات الرومانسية العاطفية ..أم..?‏

وبشكل أعمق... ولربما هنا تكمن ميزة العمل الوحيدة , في إثارته لمثل هذا التساؤل :‏

هل هناك حب حقيقي خالص.. بعيداً عن الرغبة والشهوة...‏

أم أن تواجد الرغبة هو دليل الحب.. هل الحب حاجة تخلق الرغبة أم أن الرغبة هي التي تخلق الحاجات... وبالطبع الحب أهمها?!‏

رواية (صمت الرجال) - المؤلفة:كريستين أوربان - المترجمة:راغدة خوري - الناشر :دار الحوار2008م‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية