|
كتب واعتقد أن تاريخ الكتابة عن ماركس, منذ ماركس نفسه, لم يكن إلا تاريخ الاجابة عن هذا السؤال, أما السؤال فهو: ما الذي قدمه ماركس حتى غدت الكتابة عنه أشبه بالغوص في رمال متحركة? ولكي نجيب بدورنا عن هذا السؤال, يجب أن نشير إلى أن تاريخ الاجابة. المذكور عن السؤال المطروح, انقسم إلى نوعين, إلى معسكرين, وباختصار إلى إجابة متيافيزيقية وأخرى تاريخية, أما المتيافيزيقية فهي التي أفضت إلى الدوغمائية, إلى الجمود المذهبي, عندما ينظر إلى ماركس بوصفه مؤسس النظام الأكبر وتالياً العيش بين نوعين من الهتافات, يعيش نظام ماركس, ويسقط نظام ماركس. وفي مواجهة هذه الدوغمائية, هذه الميتافيزيقيا (القاسية القلب) في الحالتين: عيش ماركس وسقوطه, قبوله ورفضه, تنتصب الإجابة التاريخية التي تحاول قول عبارة بسيطة وهي أن ماركس بما انتجه يشكل لحظة من الثقافة الفلسفية والايديولوجيا الاشتراكية. ما يشير إلى أن الإجابة الثانية التي لا تأتي رفضاً لماركس أو تكريساً له, تحاول أن تؤكد على أن التاريخ سيتجاوز ماركس, منطلقة من مقولة, باهتة كما نرى ونظن وهي (لا يمكن لأحد أن يقفز فوق زمانه), ما الذي يمكن قوله بعد ذلك. فالمؤلفون الثلاثة لكتاب (ماركس ونقده للسياسة) اندريه توزيل, سيزار لوبوريني, إيتين باليبار, هؤلاء الثلاثة معاً, يكتبون في مجال ثالث, يتناولون ماركس كفيلسوف. ومن هنا استمدت نصوصهم قوتها وشرعيتها ومصداقيتها, هذا مع العلم أن تلك النصوص كتبت في حمأة المد الشيوعي, والصراع بين الامبريالية والشيوعية, أقول إنه بالرغم من ذلك فإن (اندريه توزيل) يشير إلى وحدة النقدين السياسي والاقتصادي عند ماركس وهو يتتبع نقد ماركس للسياسة من نقد سابق على الاقتصاد السياسي إلى نقد منسجم مع أول أشكال المادية التاريخية وتبلور هذا النقد بالارتباط مع النضال الطبقي السياسي, وانتهاء بالنقد الذي تبلور على أساس قاعدة مزدوجة أي نقد الاقتصاد السياسي. وبعد ذلك يبدأ توزيل باقتفاء أثر هذا النقد في نظرية ماركس وآرائه في الدولة والمجتمع المدني والبنية الفوقية والطبقة والحزب والديكتاتورية,ديكتاتورية البروليتاريا. أما سيزار لوبوريني فيلفت الانتباه إلى أن فلسفة ماركس ما برحت فلسفة نقدية, وأن تعبير (نقد) يرافق, مثل اللازمة, كل تطور فكر ماركس مع التنويه إلى أن نقد ماركس لم يكتسب لديه أبداً صفة الثبات كما لم ينطو على أي مدلول محافظ وأن المظهرين الفلسفي والسياسي عنده يتخللهما العنصر النقدي. وفوق كل ذلك فإن النقد هو الذي يوضح انتقال ماركس (ما قبل الماركسي) من الليبرالية إلى الديمقراطية إلى الشيوعية قبل اكتشاف المادية التاريخية. بالتوازي مع توزيل ولوبويني يدفع باليبار المسألة إلى حدود قصوى, عندما يتناول ذلك النقد من خلال موضوعات كالدولة والحزب والايديولوجيا عند ماركس. محاولاً إثارة النقاش مع وجهة النظر التي رأت أن الماركسية لم تتمكن يوماً من إعداد نظرية عن الدولة لا في الرأسمالية الليبرالية ولا في الاشتراكية, وأن كل ما انشغلت فيه الماركسية كان الحزب فقط. وإذا كان باليبار قد فسر هذا الانهماك الماركسي بالحزب على أنه وليد هيمنة الايديولوجيا التي طغت على الحزب والدولة معاً, فإن ذلك قد يكون لمصلحة ماركس وليس ضده, فإذا كان ماركس قد انحاز للوقوف إلى جانب الجماهير والنضال من أجل الاشتراكية, فإنه من الخطأ قراءة فلسفته كلها من موقفه السياسي, فذلك هو بالضبط الجحود والخيانة, وقد استطاع باليبار أن يكتشف المعضلات التي رافقت قراءة ماركس من خلال موقفه السياسي, ما يمكنه من الالتقاء مع توزيل ولوبوريني لتناول السياسة والفلسفة الماركسة, تحت شرفة ماركس ودون أن يطل ماركس من فوقها. الكتاب: ماركس ونقده للسياسة -مجموعة مؤلفين -ت: جوزيف عبد الله -دار التنوير - |
|