تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


جدارّيات الخلفية السيكولوجية لعلاقة السلطة بالمثقف

ملحق ثقافي
24/3/2009م
رشيد بوجدرة

هناك بعض المفكرين العرب الذين يدافعون عن ضرورة تجسير العلاقات بين السلطة و المثقفين، كما قلناه في المقالات الأخيرة.

و هناك من يريد العكس و يطالب بتكسير العلاقات.‏

و هناك فئة ثالثة ترى أنه من الصالح وجود قاعدة توفيقية بين الحكام و المثقفين يمكن أن تكون في فائدة الناس. لكن الأشخاص الذين يقاومون فكرة التجسير هذه يرون أن هذه الجسور إنما هي قائمة بطريقة موضوعية و طبيعية، فيطالبون بتقليل الجسور هذه و لا الزيادة فيها، حسب قول أمين عز الدين (أنظر مجلة المستقبل العربي، سنة 1983). و يعقب محمود أمين العالم على هذا الرأي، كاتبا: “ التقليل من هذه الجسور، أم كسرها ؟ نعم هناك من المثقفين من يقفون موقفا على النقيض تماما من موقف التجسير، إذ نراهم يطالبون بتكسير العلاقة بين المثقفين و السلطة لا تجسيرها. و إذا كانت دعوة التجسير هذه هي دعوة توفيقية تبريرية، فإن الدعوة إلى التكسير بالرغم مما تتضمنه من روح نقدية غاضبة، فهي دعوة مثالية.”‏

نجد هذه الدعوة عند الأستاذ أمين عز الدين و هو يشكو من أن الخبراء العرب يقدمون العديد من الحلول الرشيدة لمختلف المشاكل الاقتصادية و الاجتماعية المتراكمة و التي لا تكاد تمس من قريب أو بعيد أسس المجتمع الراهن أو تهدد كيانه. و رغم هذا فإن الجهود تواجه دائما بالرفض الرسمي و هو ليس رفضا صريحا بل هو رفض غامض و خبيث. و ينتقد الأستاذ أمين عز الدين المواقف الانسحابية أو التوفيقية لبعض الخبراء إزاء هذا الرفض الرسمي و يرى أن الموقف الصحيح هو أن يعلن الخبراء العرب رفض المشاركة في أي مؤتمر ما لم تعلن الحكومات التزامها بتنفيذ الحلول، و إدانة موقف الحكومات، و خلق تيار للخبرة العربية المتحررة داخل كل قطر عربي و على المستوى القومي يتجه بالحلول إلى الجماهير. و مع أهمية الدعوة التمردية هذه، فإنها، بشكل عام، لا تمس جوهر البنية السلطوية القائمة (أنظر مجلة النهج، العدد 17، سنة 1987، دمشق).‏

و يذهب عبد اللطيف اللعبي المفكر المغربي إلى أقصى الحدود عندما يكتب: “ إن المثقف الحقيقي هو الذي قطع علاقته مع جميع السلطة...و يقوم بالاضطلاع الأمين بعمله كمثقف...و عمل هذا النوع من المثقف عمل لا مرئي و صامت بالضرورة و لكن هذا العمل يبقى رغم هذا محاولة جريئة لمقاربة الحاضر و الماضي رهانا على المستقبل. و هكذا ربما لأول مرة يستطيع الإبداع الفني و الفكري و النظري أن ينطلق من إشكاليته الخاصة و يعيد الارتباط بالواقع العاري و العميق دون أن يعبر صراط السلطة و كواليسها...إننا نرفض الفصل المتعسف بين السياسي و الثقافي. و لكننا حريصون على بيان خطورة عدم التمييز بينهما. المهم هو قدرة المثقف على الاحتفاظ بالتوازن الصحيح و الاحتفاظ بمهمته التي تكمن في تعريفه الواقع للناس و نقد الأفكار و الممارسات التي تحتجز حرية الكلام و الذهاب و الاياب بين الممارسة النظرية” (أنظر مجلة الطريق اللبنانية، ص 90، سنة 1984).‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية