|
معاً على الطريق فهو لا يكفُّ عن النقد والعتب واللوم على الرغم من الدماء التي تسيل على الأرض والقذائف التي تنزل مثل المطر على الآمنين الذين ليس لهم ( لا في العير ولا في النفير) لكن السوريين لا تأخذهم الحرب وتنسيهم الحياة.. فمثلاً كلهم يشكون من قلة المازوت وأحياناً من انعدامه ولم يبقَ أمام المواطن سوى التشمس في الشمس ليتدفأ وليشعر ببعض رفاهية الدفء أو أن يقطع أشجار الرصيف والحدائق العامة ويشتري منقل حطب .أولاً يتدفأ - ببلاش ويطبخ ببلاش- ويلّون بيته باللون الرمادي الدارج جداً هذه الأيام. لكن أنا أستغرب مثل كل السوريين.. طالما أن المازوت معدوم تقريباً والبنزين محصور بمحطة واحدة أو محطتين فلماذا كل هذه ( الكازيات ) الجديدة التي تشمخ على مفارق الطرق.. وبين الكازية والكازية كازية أخرى. إذن المحروقات متوافرة ولله الحمد.. ولا يوجد أزمة محروقات ولا من يحزنون.. فلماذا ينق السوريون؟؟ ....................................... على فكرة.. المزارعون تعلموا النق أيضاً.. فهم لا يكفّون عن الصراخ والآخ بسبب أسعار الأسمدة والأدوية الزراعية.. والعبوات البلاستيكية التي يذهب ثمنها هدراً بالنسبة للمزارع كما أنها تلوث البيئة ولا يستفيد منها إلا صاحب مصنعها.. هذا كلام المزارعين وليس كلامي.. مع أني أجد أنهم تعلموا النق مثل الموظفين.. وأكثر المزارعين نقاً هم مزارعو الحمضيات الذين يؤكدون أن محاصيلهم تحولت إلى نفايات قرب السواقي والأنهار بعد جمعها وإتلافها.. لأن الأسعار لا تساوي التكلفة . حيث كان سعر كيلو البرتقال دولاراً قبل الأزمة في مثل هذه الأيام واليوم أقل من عشر الدولار.. فمن أين وكيف يعيش مزارع الحمضيات الذي ابتلي أيضاً بالعواصف والثلوج؟! لذلك أجد أن الحل الأمثل يكون بقطع أشجار البرتقال والتدفئة على نارها ربما تغلق محطات الوقود وتكف عن سرقة المواطن سواء بالأسعار أم بالعداد أم بالاحتكار؟ ................................................. المواطن السوري ينق.. وهو يتهم الجهات المعنية بالسكوت عن احتكار المحروقات.. ويتساءل لماذا لا يأخذ المواطن حصته، أو ربع حصته من الدولة مباشرة..؟ ألا ترى تلك الجهات ما يفعله أصحاب الكازيات؟ لدرجة صار المواطن يتمنى أن يوظف ابنه في ( سلك التموين ) ولا يعمل طبيباً أو أن يقترض ويفتح - كازية - فيصير لديه خلال سنة مثلاً بيت وسيارة ومزرعة يسقيها من مياه الشرب المخصصة للمواطنين. ......................................... اعذروني.. أنا مواطنة سورية وقد تعلمت النّق.. لأن من يعاشر القوم أربعين يوماً يصبح مثلهم.. وأنا أعاشر نق السوريين منذ أربع سنوات ( الأزمة ).. ووجدت أن بعض السوريين بنوا قبوراً لأبنائهم الشهداء.. وبعضهم بنى (مستوصفات وقدم مساعدات). وآخرون بنوا قصوراً فوق الجماجم.. ودوراً من دماء الناس.. بعضهم مرت عليه الحرب مرور الكرام، وآخرون تاجروا بالأزمة كما يتاجر الأردن الآن بدم شهيدهم ( الكساسبة ) وهو شهيد بالتأكيد وطريقة موته محزنة ومستنكرة.. ولكن لماذا لم يستنكروا شق صدور السوريين وأكل أكبادهم؟ لماذا لم يستنكروا قطع رؤوس عشرات الطيارين السوريين وشيهم على مناقل الجمر؟ لماذا لم يبكوا على أطفالنا المذبوحين وعلى نسائنا المغتصبات..؟ لماذا لم يستنكروا الحصار على الشعب السوري الذي يعاني المر في لقمة العيش والسكن والدفء.. أليس هذا قتل جماعي لوطني ولمئات الآلاف من أهل وطني؟ هل دمنا رخيص ودمهم غالٍ؟ كلنا ندين القتل ونرفضه، لكن نحن نعاني من القتل والذبح يومياً. ولم يستنكر أحد ذلك بل اكتفى الجميع بالنأي بالنفس بعد أن فتحوا بوابات بلدانهم لوحوش تعيش على الدم والحرق والتقطيع. مع ذلك صمتنا ولم ( ننق ) مع أنهم زأروا ونحروا وهدموا وسرقوا.. ونحن اكتفينا بالنق على المسؤولين كي يحسوا بنا وببرد أطفالنا.. فهل سيأتي النق والتكرار بنتيجة؟! لا أظن ذلك.. ولكن لا خيار أمام السوريين المحاصرين من كل جهات الأرض سوى أن يقضوا مساءات العتمة ونهارات الغلاء بالنق والتذكر والألم مع القليل من العتب الذي يمكن أن يصل ويغير من واقع مرير يحتاج إلى حسم وإخلاص. فالسوريون يعتزون بكرامتهم.. وليس من طبعهم الوقوف على الأبواب. فارحموا أيها المسؤولون ( شعباً عزيزاً يرفض الذل) والدليل هذا العدد الكبير من الشهداء الذي يقدمه السوريون من أجل الكرامة والعزة والإباء. .............................................................. |
|