تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


مفاجأة العدو وحرمانه من ميزة الضربة الأولى..

قاعدة الحدث
الأحد 7-10-2012
إعداد: سائد الراشد

لا تزال نتائج حرب تشرين التحريرية ماثلة في أذهان العالم، فقد استطاع الرئيس الخالد حافظ الأسد أن يقود الأمة العربية نحو النصر وتحقيق الهدف المطلوب بقدرة فائقة ما جعل العدو الصهيوني في حالة ذهول، لقد ارتبطت دوافع الحرب بطبيعة الصراع حول القضية الفلسطينية، والعدوان الصهيوني الدائم على العرب،

وتلاحق الهزائم منذ 1928 وحتى 1972، حيث بقي العرب عرضة لاعتداءات وحروب صهيونية مستمرة تراوحت أهدافها بين تحقيق الأطماع الجغرافية للصهيونية على الأرض العربية وبين تيئيس العرب من إمكانية مواجهة القوة العسكرية الصهيونية المتغطرسة لحملهم بالنتيجة على الاستسلام والتسليم بالأمر الواقع.‏‏

في الثاني من أيار 1973م اجتمعت القيادتان المصريّة والسوريّة للاتفاق على الإطار العام للسياسة العسكريّة التي سيتم الالتزام بها، وتحقيق الإعداد الشامل للحرب على جميع الأصعدة الداخليّة والسياسيّة والعسكريّة والاقتصاديّة، كما تم إعداد خطة خداع استرايتجي شاملة وطويلة بالتنسيق مع كافة أجهزة الدولة الإعلاميّة والدبلوماسيّة والعسكرية.‏‏

اعتمدت القيادة السورية في حرب تشرين بعض الاستراتيجيات الفاعلة التي ساعدتها على النصر:‏‏

الأولى: استراتيجية التضليل والمفاجأة والخداع لمخابرات الكيان الصهيوني وضرب الأسطورة التي كانت تحيط به، وإبعادهم عن فكرة قيام حرب، حيث إن انبساط وامتداد مناطق انتشار القوات المصرية والسورية، كان يسهل على الكيان الإسرائيلي مراقبتها بالوسائل الإلكترونية أو بالعين المجردة، والاستفادة من اعتقاد القيادة العسكرية والسياسية الإسرائيلية أن العرب لن يقاتلوا في شهر رمضان، فأثبتت حرب تشرين أن التطور في وسائل الاستطلاع والمخابرات لا يقلل من إمكانية تحقيق المفاجأة الاستراتيجية في الصحراء والأماكن المكشوفة، كما أنه لم يعلم أحد بقرار الحرب إلا قبل إعلانها بخمسة عشر يوماً‏,‏ وكان ذلك من أجل السرية والمفاجأة، وتم قبل الحرب بأسبوعين خطف قطار ينقل المهاجرين اليهود القادمين من روسيا إلى معسكر «شنواة» بالنمسا من قبل المقاومة الفلسطينية، بغرض توجيه أنظار إسرائيل السياسية إلى النمسا وليس لما يجري على الجبهتين المصرية والسورية.‏‏

الثانية: حرمان العدو من ميزة توجيه الضربة الأولى، وشل فاعلية قواته الجوية المتفوقة من خلال عناصر الدفاع الجوي، وشل فاعلية قواته المدرعة، وعرقلة وصول احتياطياته الاستراتيجية من العمق، وتشتيت المجهود العسكري الإسرائيلي على الجبهتين المصرية والسورية، إضافة إلى القصف العنيف ففي الساعة 13.58 من يوم 6 تشرين 1973 بدأ الهجوم السوري بقصف جوي عنيف شاركت فيه حوالي 100 طائرة، وتمهيد مدفعي شارك فيه حوالي ألف مدفع لمدة ساعة ونصف، اندفعت بعدها الموجات الأولى من الدبابات السورية وناقلات الجنود المدرعة نحو خط «آلون» تحت ستر القصف المدفعي للمواقع والتحصينات الإسرائيلية.‏‏

الثالثة: التنسيق العالي والكثافة العددية، وإضافة إلى اعتماد عنصر المشاة بسبب طبيعة العدو المحصنة ووعورة الأرض وكثرة تضاريسها، لقد خططت القيادة السورية لهجوم مدرع ميكانيكي خاطف على ثلاثة محاور شمالي وأوسط وجنوبي، ونفذ الهجوم على كل محور من قبل فرقة مشاة ميكانيكية، هذا في النسق الأول أما في النسق الثاني فقد تمركزت فرقتان مدرعتان ولواءان مدرعان مستقلان، كان الهجوم السوري منسقاً بدرجة عالية من الكفاءة، ونجحت قواته بتحقيق مفاجأة استراتيجية وتكتيكية حققت نتائج لم تكن في تقديرات إسرائيل، حيث استطاعت القوات السورية أن تخترق خط «آلون» خلال ساعتين وعشر دقائق «الخط الدفاعي الإسرائيلي في الجولان بطول 70كم»، والذي اعتبر أكثر تحصيناً من أقوى الخطوط العسكرية في الحرب العالمية الثانية، كما حقق الهجوم السوري على المحورين الأوسط والجنوبي نجاحات سريعة فقد اخترقت المدرعات السورية خنادق التحصينات الإسرائيلية في الجولان ووصلت مدينة القنيطرة عاصمة الجولان، وفي صباح اليوم الثاني وصلت الوحدات المدرعة السورية إلى مشارف نهر الأردن، وقامت بصد هجوم مضاد لدبابات العدو على خط الخشنية - عين زيوان، ودفعت وحداتها المدرعة لاستغلال نجاح النسق الأول حتى أصبحت على مشارف بحيرة طبرية.‏‏

الرابعة: استبسال القوات المسلحة في الدفاع وإطالة عمر الحرب، في صباح يوم 11 تشرين، كان قادة العدو الإسرائيلي يعتقدون أن نجاح قواتهم في خرق الخط الدفاعي السوري الأول سيؤدي إلى انهيار الجبهة كاملة، ويرجع هذا الاعتقاد إلى خبرة عدوان حزيران 67، التي رسّخت في أذهانهم أن خرق أي جبهة عربية في نقطة من النقاط سيؤدي إلى انهيار الجبهة بشكل آلي والحقيقة أن الخرق الإسرائيلي للجبهة في القطاع الشمالي كان يمكن أن يؤدي إلى انقلاب التوازن الاستراتيجي للجيش السوري لولا صمود الفرقتين الآليتين السورية السابعة والتاسعة على محور سعسع وصمود الفرقة الآلية السورية الخامسة عند الرفيد، على المحور الجنوبي، كما أن اقتراب خط الاشتباك من شبكة الصواريخ أرض – جو السورية المنتشرة جنوبي دمشق حد من عمل الطيران لدعم الهجوم.‏‏

لقد سطر الجيش السوري أروع ملاحم البطولة في حرب لم يكن في أي من أنواع التكافؤ بالآلة العسكرية أو التكنولوجية العسكرية، ومن بطولاته تحرير مرصد جبل الشيخ عبر عملية إنزال جوي سيطر من خلالها على المرصد وأسر 31 جندياً إسرائيلياً وقتل 30 آخرين، ثم رفع العلم السوري على أعلى قمة في جبل الشيخ، وسجلت هذه المعركة التي كانت بالسلاح الأبيض بطولات نادرة للجندي السوري وحررت المرصد بالرغم من قيام لواء الجولاني بمحاولة إنزال لاسترجاع المرصد إلا أن القوات السورية ألحقت به هزيمة وخسائر كبيرة، كان لتحرير هذا المرصد في بداية الحرب الدور الأبرز والتأثير البالغ في سير أحداث حرب تشرين.‏‏

الاستراتيجية التي استخدمها الجيش العربي السوري في حرب تشرين تم تدريسها عالمياً وغيرت الكثير من مفاهيم القوة بالنسبة للسلاح وأضعفت من فكرة قوة الجيش صاحب السلاح الأكثر تطوراً، كما أكدت أن المعارك العسكرية سوف تظل معارك أسلحة مشتركة في المستقبل، وأثبتت للمرة الأولى في تاريخ الحروب الحديثة فاعلية الدور الخطير للصواريخ المضادة للدبابات، والتي يمكنها تقليل أو إضعاف فاعلية الدبابة في ساحة القتال، كما أبرزت فعالية عناصر الدفاع الجوي في مواجهة القدرة الجوية المتفوقة، وهو ما يجعل من الصعب تحقيق السيادة الجوية لأحد الطرفين، حتى لو كان يمتلك قوة جوية متفوقة كماً ونوعاً على الطرف الآخر، طالما أن الطرف الآخر يمتلك نظام دفاع جوي قوي وفعال، وهو ما قامت به قوات الدفاع الجوية والسورية من استخدام للصواريخ المضادة للطائرات من طراز (سام) والمدافع عيار 23 ملم المتعددة المواسير بكثافة عالية، وهو ما تسبب في إلحاق خسائر فادحة بالسلاح الجوى الإسرائيلي، ومنعه من تقديم المساندة القريبة للقوات البرية، ولاسيما خلال المراحل الأولى من المعركة.‏‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية