تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


المرأة السورية: كنا نتابع الأخبار على مدار الساعة

مجتمع
الأحد 7-10-2012
غصون سليمان

سجل وطني وقومي مليء بالصور والعبر والمشاهدات ..سجل ماإن تفتح صفحاته وتقلب فيها حتى تكاد تنطق تلك الأيام مستعيدة حروف النصر وهي تعتلي تلك الجباه والهامات لأبطال ومقاتلين من أبناء قواتنا المسلحة التي جعلت من يوم السادس عشر من تشرين الأول والأيام والساعات التي استغرقتها الحرب أياماً لاتنسى حفرت تفاصيلها في الذاكرة.

فمن ناضل وقاتل وعاصر تلك الأيام التي شكلت جسر عبور لمنطقة وعينا العربي وإرادة صلبة لمن زحف بعض الوهم واليأس إلى حدود أملنا وتفاؤلنا بإمكانية حدوث النصر.‏‏

لكن بشائر النصر كانت بادية منذ الساعات الأولى لبدء المعركة ونستشف ذلك من أقوال ومشاهدات الذين خاضوا الحرب وهم يصفون لنا اليوم كم كانت تلك الأيام مشرقة وناصعة إذ محت وحل العار من تاريخ هذه الأمة وحولت مجرى الأحداث باتجاه آخر.‏‏

وكما كان أحرار الجيش العربي السوري وقواتنا المسلحة تنتقل في أرض المعركة.. من خطوة إلى أخرى كانت بالمقابل قلوب وعقول أبناء الوطن على أهبة الاستعداد اليومي لمتابعة مجريات الحرب وسماع البلاغات المتلاحقة من رقم واحد إلى مالانهاية من حصيلة مايستجد على مدار الساعة.‏‏

في هذه ا لمساحة من ذاكرة حرب تشرين وبهذه المناسبة الغالية نتعرف علي بعض ماصورته وشاهدته من لوحة الأحداث ذاكرة المرأة العربية السورية من أم وأخت وزوجة وصبية كن يخضن المعركة من نوع آخر من الحماس الملتهب وهن يعملن في الأرض ويشرحن الحصص الدرسية في قاعات الصفوف ويغزلن القطن السوري وهن يشرفن على خطوط الانتاج إلى جانب الرجال في المعامل والمصانع ، فالكل كان مستعداً لخوض المعركة المادية والمعنوية على الطريقة السورية الرائعة حين يكون الوطن هو الحدث وقيامة الموت على الأعداء.‏‏

راديو الحدث‏‏

فائقة علي صبية سورية من ريف مدينة مصياف لم يتجاوز عمرها العشرين عاماً يوم بدأت الحرب وماتتذكره بدقة عن تلك الملحمة أن وسيلتها كانت وغالبية الشعب السوري متابعة جهاز الراديو لمعرفة أخبارالمعركة ومن خلال هذا المذياع والبلاغات المتلاحقة التي كانت تتواتر عبره تحت عنوان:‏‏

الآن جاءنا البلاغ التالي: حققت قواتنا المسلحة... نفذت قواتنا الباسلة... استطاعت القوات السورية المهاجمة من السيطرة على كذا وكذا ، تمكن نسور الجو العربي السوري من تدمير عشرات الطائرات الإسرائيلية المغيرة ... وغيرها الكثير من النماذج،وهذا بالتالي جعلنا ندرك كأسر وأفراد بأن قواتنا المسلحة كانت تسيطر على أرض المعركة فيعلو الفرح وجوهنا والسعادة سريرتنا وتضيف السيدة علي مازلت أذكر تلك اللحظة الرهيبة يوم بدأت حرب الكرامة في الثانية والنصف ظهراًَ من عام 1973 بقيادة الرئيس الخالد حافظ الأسد وكيف علت وصدحت الأغاني الوطنية في سماء هذا الوطن وقتها، وفي تلك اللحظات كنت وأفراد أسرتي نعمل في ورشة تفتيح أو تنسيق أوراق الدخان البلدي في المنزل وما إن سمعنا نبأ انطلاقة ساعة الصفر حتى تسمّر الأهل لحظات صمت ودعاء وإكبار فيما سارعت أنا بدوري إلى دكان جارنا أبو محمد لأشتري بطاريات خاصة بالمذياع بحجميه الصغير والكبير راديو الجيب- وراديو المنزل فإذا كنا في المنزل نسمع المذياع الكبير وإذا كنا خارجه فراديو الجيب جاهز والتي كانت هي الصديق والرفيق ومصدر الأخبار، والمهم لدى السيدة علي أن يبقى لديها عدد وافر من البطاريات ليبقى صوت المذياع قوياً دون أن يخفت صوته برهة..‏‏

كفر نفاخ‏‏

وتقول السيدة علي في حديث الذكريات ..مازلت أتذكر ذاك اللقاء الذي أجرته إذاعة دمشق مع أحد الطيارين السوريين حين سقطت طائرته بنيران العدو في كفر نفاخ وكيف أصيبت إحدى رجليه وبقيت معلقة بشيء بسيط من أعضاء جسده فقطعها بيده وقال عبارته البطولية المشهورة : انغرسي هنا في هذه الأرض بكفر نفاخ، وسأعود ثانية وأقاتل وأحقق النصر على الأعداء بإذن الله.‏‏

ولاأدري اليوم إن كان هذا المقاتل الباسل مازال على قيد الحياة ؟‏‏

ومن الذاكرة أيضاً بعض الصور والمشاهد ماثلة أمام عيني فجارتنا السيدة أم أيهم وهي زوجة ضابط مقاتل في سلاح الإشارة في الجيش العربي السوري وبالرغم من الحالة التي كنت أراها من بعض الخوف البادي على وجهها بعض الشيء حين تحتدم المعارك وتكثر البلاغات المتلاحقة إلاأن شعور هذه السيدة وشعورنا جميعاً نحن أبناء هذا الوطن ريفاً ومدينة كان يرجح إلى كفة النصر والتي كانت تسيطر على مساحة وجداننا ويقيننا بأن سورية منتصرة في هذا الامتحان.‏‏

وتضيف السيدة علي كيف أن إخوتها محمد وأحمد ومن خلال حديثهما بعد أن حطت الحرب أوزارها وعاد الأحباب إلى ديارهم سالمين غانمين فرووا كيف ضرب الرادار الذي كانا يعملان عليه ولكن وبسرعة البرق أيضاً كانت تتم عملية احتلال نقطة رادار آخر لرصد طائرات العدو التي كانت تقلع حيث مدرجاتها ولانبالغ القول والله أننا كنا نصطادها كالحمام ومانود التأكيد عليه أن حرب تشرين كانت بمثابة معجزة حقيقية حققنا فيها إنجازات مادية ومعنوية لاتقدر بثمن فحين تتحرر الإرادة وتنتصر العزيمة فلابد للهزيمة أن تجر ذيولها الخائبة نحو عدو أخطأ غير مرة في حساباته بقدرة المقاتل العربي السوري وتختصر السيدة علي حديثها بالقول: كنت أرى وأقراني وجميع أبناء قريتي أننا كنا نشعر جميعاً بالفرح والسرور رغم وجود أبنائنا وأخوتنا وأزواجنا في الخطوط الأمامية في قلب المعركة ولاندري بأي لحظة نسمع باستشهاد هذا البطل أو ذاك لكن الذي كان مسيطراً على شعورنا وإحساسنا هو إيماننا بحقنا بقضيتنا بوطننا واستراتيجية قائدنا الخالد حافظ الأسد الذي كان لخطبه وكلماته الدافع الأول لشعورنا بنشوة النصر.‏‏

والجدير ذكره أن هذه الصبية تزوجت في العام الثاني وفي السادس من تشرين التحرير ذكرى الانتصار من ضابط مقاتل شارك في حرب تشرين وكان له شرف الوصول إلى بحيرة طبريا وأنجبت خمسة أولاد وهم اليوم أشبال كبار كل يخدم وطنه من موقع عمله العسكري والمدني والتعليمي.‏‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية